كلمة سيادة المطران جي بولس نجيم في تولية المطران بولس روحانا
أسرّ بولس الرسول لتلميذه طيموتاوس في آخر ايامه: “جاهدتُ الجهاد الحسن وأتممتُ شَوطي وحافظتُ على إيماني. وقد أُعِدَّ لي إكليل البرِّ الذي يُجزيني به الربُّ الدَيَّان العادل في اليوم الأخير” (2 طيم 4/7).
كنت أتمنى، بعد اثنتين وعشرين سنة من الخدمة الأُسقفية في نيابة صربا، أن أُردِّدَ مع بولسَ الرسول وعن حق وحقيقة كلامه هذا بكامله. أما ما أستطيع أن أتبناه بكلِّ صدقٍ ودون تردّد، إنما هو هذا: “لقد جاهدتُ… وأتممتُ شَوطي… وحان الوقتُ ليحملَ مسؤوليةَ رعايةِ شؤونِ الإيمان بالمسيح، مع أساقفة الكنائس الأخرى ذوي السلطة الروحية في هذه البقعةِ من الأرض، من اختارَه الروحُ القدس وأعضاءُ مجلس مطارنة كنيستنا المارونية في التئامهم الأخير.
فأمام الله وأمامكم، أعترفُ، لا عن تواضع ولا من أجل اكتساب العطف، بل أمانةً للحقيقة وراحةً للضمير، أنني كنت دون المتوخى في رعايتي لقطيع المسيح الذي سُلّم إليَّ.
على كل حال، لستُ ديَّانَ أحدٍ ولا حتى نفسي، وحده الله يسبر أعماق الإنسان وهو وحده يعرف حقَّ معرفةٍ أسرارَ قلبي الخفيّة حتّى عليَّ… لذا أسأله تعالى وأسألكم جميعاً أن تُغضّوا الطرف عن كل ما أخطأت به إليكم وعن كلّ تصرّفٍ أو قولٍ صدر عنّي أو إهمال أعاق عملَ الروح القدس فيكم وإتِّحادَكم بالله.
وبالوقت نفسه أشكره تعالى على كل ما أعطاني أن أفعلَه من خير، وعلى كلّ إبتهالِ فرحٍ رفعه أحدٌ إلى السماء بسببي وعلى كلّ كلمةٍ من أقوالِه المقدّسة نقلتُها بأمانة إلى الناس.
أحمد الله على كل شيء، أولاً على إخوتي الكهنة الأحباء الذين عاونوني بصبرٍ جميل طيلة هذه المدة، وعلى الشمامسة أعزائي، وعلى كلّ الهيئات، من مجالسَ ولجانِ أوقاف وغيرِها، وحركات وجمعيات وفرقاء عمل في المطرانيّة وخارجِها، في لبنان وفي أفريقيا، من الذين اشتركتُ وإيّاهم في إحياء شعارنا “نتنفس كنسيّاً”. أشكركم أنتم أبنائي وبناتي في نيابة صربا البطريركية، القريبين والبعيدين. أحببتكم لأنّ اللهَ الآب يحبُّكم حُبّا جمًّا حتى أنه بذل بإبنَه الوحيد وروحه القدوس في خدمتكم. إنكم اسمى نعمةٍ أهداني إياها الرب وأعظمُها.
واليوم يومُ شكرٍ بإمتياز. إنه يومٌ نشاهد فيه كيف أنّ الرّبَ لا يزال يفتقدُ شعبه وينقل رعايته له من راع إلى آخر، دون توقف لأنه هو الراعي الصالح الأوحد. إنّ مسيحَنا الجالسُ بالمجد قربَ اللهِ أبيه، يشفع فينا باستمرار وشفاعتُه لا تردّ.
أذهبُ مطمئنَّ البال لا بل فَرِح لأنني أودعكم بين يدي أسقفٍ أمينٍ لربّه، مطرانِكم الجديد بولس يوسف روحانا. سوف تختبرون فيه الأخَ المتمرّسَ في المحبّة منذ صغره وهو إبن عائلةٍ مكوّنةٍ من أحد عشر ولداً، والمرشدَ المشبعَ بروحانيّة تراثِنا الماروني العريق التي تتلمذ عليها على خطى قدّيسي الرهبانيّة اللبنانيّة طيلةَ ستَّ وأربعين سنة، والمعلّمَ المتعمِّقَ بالفكر المسيحي والفكر الإنسانيّ وقد أتقن تلقينَهما للطلاب الجامعيين في لبنان والخارج لسنين طويلة، والمؤمنَ المتألّمَ، في محبّته للمسيح، للإنشقاقات التي لا تزال بمثابة شهادة زور في جبين كنائسنا. إنه آتٍ إلينا من رئاسة أمانةِ سر مجلس كنائس الشرق الأوسط الذي يضمّ تحت سقفه الواحد الكاثوليك والأرثوذكس والبروتستانت في المنطقة. معكم أصلّي من أجله وأطلب شفاعة أمّنا مريم العذراء ومار جرجس والطوباويين المسّابكيين شفعاء نيابتنا، وجميع القديّسين. ومعكم سأظلّ بقربه وأسير برعايته.
وأطلب هذه الشفاعةَ، أيضاً على نيّة أبينا مار بشارة بطرس الراعي، بطريركنا الكلِّي الطوبى، رمز وحدتِنا ومحقّقِها في ما بيننا ومع قداسة البابا بندكتوس السادس عشر رئيسِ الكنيسة الجامعة وحاملِ وزرِها الثقيل في هذه الأيام العثيرة. أنعم الله عليهما بالصحّة والعافية والحكمة، زينةِ المسؤولين الصادقين.
وكأنَّ بين نيابتنا، و سيادة المطران يوسف بشارة، رباطا خاصا، هو الذي أقيم عليها مدبّراً في فترة تأسيسها بين سنتي 1989 و1990، وهو الذي كان، مع صاحب السيادة آنذاك مار بشارة الراعي، عرّابي في الأسقفية كما كان البارحة، معي، عرّاب مطراننا بولس روحانا، وهو الذي يرأس الآن، من قبل غبطته، رتبة التولية هذه.
ولا يسعني في نهاية كلامي إلاّ ان أذكر عرفاناً للجميل، ومن القلب، ذاك الذي بوضع يده عليّ، جعلني كاهنا في بيعة الرب، المثلّث الرحمات، المطران مخائيل ضومط، وأيضاً أبانا، نيافة الكاردينال البطريرك مار نصرالله بطرس صفير الذي سامني أسقفا على نيابة صربا، حفظه الله مرشدًا حكيماً لنا جميعاً.
شكراً يا إخوتي وأحبّائي، صلوّا عنِّي إكراماً للمسيح.