التنشئة المسيحية لغبطة أبينا البطريرك مار بشاره بطرس الراعي الاحـد الـثالث عشر من زمن العنصرة 19 آب 2012

التنشئة المسيحية  لغبطة أبينا البطريرك مار بشاره بطرس الراعي

الاحـد الـثالث عشر من زمن العنصرة- الأحد 19 آب 2012

مـــــــــــثــل الـــــــــــــزارع

                                                                 (لو8: 4-15)

وجهٌ آخر من ملامح وجه الكنيسة يظهر في انجيل هذا الأحد من زمن العنصرة، الذي هو زمن الكنيسة. هو أن الكنيسة تولد وتكبر وتأخذ شكلها من قبول كلمة الله في القلب وحفظها والعمل بموجبها. فالكلمة الإلهية مثل حبة صغيرة تقع في الارض الجيدة فتثمر الواحدة مئة.

 أولاً، شرح نصّ الانجيل

من انجيل القديس لوقا 8: 4-15

أَخَذَ يَسوعُ يَطُوفُ المُدُنَ وَالقُرَى، يُنَادي وَيُبَشِّرُ بِمَلَكوتِ الله، وَمَعَهُ الاثْنَا عَشَر،

وَبَعْضُ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي شَفَاهُنَّ مِنْ أَرْوَاحٍ شِرِّيرَةٍ وَأَمْرَاض، هُنَّ: مَرْيَمُ المَدْعُوَّةُ بِالمَجْدَلِيَّة، الَّتِي كانَ قَدْ خَرَجَ مِنْها سَبْعَةُ شَيَاطِين، وَحَنَّةُ ٱمْرَأَةُ خُوزَى وَكِيلِ هِيرُودُس، وَسُوسَنَّة، وَغَيرُهُنَّ كَثِيراتٌ كُنَّ يَبْذُلْنَ مِنْ أَمْوالِهِنَّ في خِدْمَتِهِم. وَلَمَّا ٱحْتَشَدَ جَمْعٌ كَثِير، وَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَيهِ مِنْ كُلِّ مَدِينَة، خَاطَبَهُم بِمَثَل: “خَرَجَ الزَّارِعُ لِيَزْرَعَ زَرْعَهُ. وَفيمَا هُوَ يَزْرَع، وَقَعَ بَعْضُ الحَبِّ على جَانِبِ الطَّرِيق، فَدَاسَتْهُ الأَقْدَام، وَأَكَلَتْهُ طُيُورُ السَّمَاء.

وَوَقَعَ بَعْضُهُ الآخَرُ عَلى الصَّخْرَة، وَمَا إِنْ نَبَتَ حَتَّى يَبِسَ، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ رُطُوبَة. وَوَقَعَ بَعْضُهُ الآخَرُ في وَسَطِ الشَّوْك، وَنَبَتَ الشَّوكُ مَعَهُ فَخَنَقَهُ. وَوَقَعَ بَعْضُهُ الآخَرُ في الأَرْضِ الصَّالِحَة، وَنَبَتَ فَأَثْمَرَ مِئَةَ ضِعْف. قالَ يَسُوعُ هذَا، وَنَادَى: “مَنْ لَهُ أُذُنَانِ سَامِعَتَانِ فَلْيَسْمَعْ!”. وَسَأَلَهُ تَلامِيذُهُ: “مَا تُراهُ يَعْنِي هذَا المَثَل؟”. فَقَال: «قَدْ أُعْطِيَ لَكُم أَنْتُم أَنْ تَعْرِفُوا أَسْرارَ مَلَكُوتِ الله. أَمَّا البَاقُونَ فَأُكلِّمُهُم باِلأَمْثَال، لِكَي يَنْظُرُوا فَلا يُبْصِرُوا، وَيَسْمَعُوا فَلا يَفْهَمُوا. وَهذَا هُوَ مَعْنَى المَثَل: أَلزَّرْعُ هُوِ كَلِمَةُ الله. والَّذِينَ عَلى جَانِبِ الطَّريقِ هُمُ الَّذِينَ يَسْمَعُون، ثُمَّ يَأْتي إِبْلِيسُ فَيَنْتَزِعُ الكَلِمَةَ مِنْ قُلوبِهِم، لِئَلاَّ يُؤْمِنُوا فَيَخْلُصُوا. والَّذِينَ عَلى الصَّخْرةِ هُمُ الَّذينَ يَسْمَعُونَ الكَلِمَةَ وَيَقْبَلُونَهَا بِفَرَح؛ هؤُلاءِ لا أَصْلَ لَهُم، فَهُم يُؤْمِنُونَ إِلى حِين، وفي وَقْتِ التَّجْرِبَةِ يَتَرَاجَعُون.

والَّذِي وَقَعَ في الشَّوكِ هُمُ الَّذينَ يَسْمَعُونَ وَيَمْضُون، فَتَخْنُقُهُمُ الهُمُومُ والغِنَى وَمَلَذَّاتُ الحَيَاة، فَلا يَنْضَجُ لَهُم ثَمَر. أَمَّا الَّذِي وَقَعَ في الأَرْضِ الجَيِّدَةِ فَهُمُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الكَلِمَةَ بِقَلْبٍ جَيِّدٍ صَالِحٍ فَيَحْفَظُونَها، وَيَثبُتُونَ فَيُثْمِرُون.

1. العلاقة المتبادلة بين الله والانسان وما ينتج عنها من خير شخصي وجماعي، إنّما تتمّ بواسطة كلمة الله التي هي في الحقيقة يسوع المسيح، ابن الله “وكلمته الذي صار بشراً، وسكن بيننا، فرأينا مجده، مجد ابن الآب، وملؤه النعمة والحقيقة”(يو1: 14).

2. شبّه الرب يسوع كلمة الله بالزرع الذي يزرعه الزارع، لكي يقع في الأرض الطيبة، أي في قلوب صافية منفتحة على الله وعطاياه ومواهبه، تحفظ كلمته وتعمل بها، فتثمر فيهم بقوة ما تحمل من طاقة. الانجيل، وهو كلمة الله، يسوع المسيح، إنما هو إنجيل الله للإنسان، لكي يلتقي المسيح بالايمان، ويدخل في شركة مع الله الواحد والثالوث.

3. يحذِّرنا الرب يسوع، في المثل الانجيلي، من ثلاثة مواقف سلبية، لا يحق لنا ان نتخذها عند سماعنا كلمة الله.

الموقف الاول، الاهمال وعدم الاكتراث المشبّه بجانب الطريق الذي يقع عليه الحَبّ. فكما الطير يأكل هذا الحَب، كذلك الشيطان ومغريات الحياة والتجربة أيةً كانت تنتزعه فور سماعه. ما يعني أنَّ سامع الكلمة لا يعطيها أية أهمية وأي اكتراث، بل يهملها ويستغني عنها. وهذه حال الكثيرين من الذين، إذا سألتهم حالاً بعد سماعهم تلاوة الانجيل أو الرسالة عمّا كان الموضوع وعمّا علق في أذهانهم، لا يستطيعون الإجابة.

الموقف الثاني، السطحية التي تشبه الصخرة الواقع عليها الحَب، حيث لا أصل له فييبس للحال. هكذا مَن يسمع الكلمة ولا يمتلك عمقاً روحيّاً من الصلاة والانفتاح لكلام الله، ولا عنده السعي لمعرفته واكتشاف إرادته، ولا يترقب تجليات مشيئته، فلا تخرق الكلمة قلبه وعقله وإرادته، ولا تحدث صدى في أعماق ضميره. السطحيون يتبجّحون بأنهم مؤمنون، ويتظاهرون بالايمان، لكن قلبهم بعيد عن الله. يقول الرب يسوع أن فيهم تتم نبوءة اشعيا: “تسمعون سماعاً ولا تفهمون، وتنظرون نظراً ولا تبصرون… هؤلاء أصمّوا آذانهم، وأغمضوا عيونهم… لئلا يفهموا بقلوبهم، ويرجعوا فأشفيهم”(متى13: 14-15).

الموقف الثالث، إعطاء الاولوية لشؤون الدنيا. هذا الموقف يشبه أرض الشوك حيث وقع الحب، فنبت الشوك وخنقه. هذه حال الذين يسمعون كلمة الله، لكن الهموم والغنى وملذات الحياة تحتل الاولوية في تفكيرهم وتصرفاتهم وتعاطيهم. فتفقد الكلمة كل قيمتها وفاعليتها، فلا تثمر عندهم. كم من الناس يتقرّبون من الكنيسة من اجل مصالحهم الدنيوية! وإذا مارسوا الواجب الديني، فمن أجل مآرب من شؤون الدنيا! وكم من الناس يعتبرون وقت الصلاة وقداس الأحد وأي عمل ليتورجي من دون قيمة، ومضيعة للوقت وللمكاسب المادّية.

4. إن الكنيسة لا تنفكّ تزرع كلمة الله بكل الطرق والوسائل، وفي كل الأوقات والظروف والحالات، وفيها الرجاء الكبير أنه يوجد قلوب صافية مستعدة لقبول هذه الكلمة. ولا يغيب عن بالها قول بولس الرسول: “الايمان من السماع. فكيف يؤمنون إن لم يسمعوا اولاً. وكيف يسمعون من دون مبشِّر؟”(روم10: 14). إعلان الانجيل واجب على الكنيسة، لأنَّ من حقِّ كل إنسان أن يسمع هذا الانجيل، وهو كما قلنا انجيل الله للإنسان. ألم يقل بولس الرسول: “الكرازة بالانجيل واجب عليّ، والويل لي إن لم أبشّر!”(1كور9: 16). فالانجيل، كلمة الله المتجسّد، يحرِّر ويخلّص، لأنه إنجيل محبّة الله لنا، ودعوة للمشاركة في حياة الله الآب بالمسيح وفعل الروح القدس(اداة العمل لسينودس: الاعلان الجديد للانجيل من اجل نقل الايمان المسيحي، 28 و 33).

*     *     *

ثانياً، جمعية سيندوس الاساقفة العادية الثالثة عشرة: “الاعلان الجديد للانجيل من أجل نقل الايمان المسيحي”.

تحضيراً للمؤمنين لكي يواكبوا جمعية سينودس الاساقفة التي ستنعقد في روما بعنوان: “الانجلة الجديدة من اجل نقل الايمان المسيحي”، نواصل نقل مضمون وثيقة “أداة العمل”، وتحديداً من الفصل الاول وهو بعنوان “يسوع المسيح، إنجيل الله للإنسان”.

1. الكنيسة، التي قبلت الانجيل، تحمل واجب إعلانه. ما يعني أن هذا واجب على كل أبنائها وبناتها ومؤسساتها. فالذين يقبلون الانجيل بإخلاص، وقد أنتج فيهم ثماره، يجتمعون باسم المسيح ليعيشوا إيمانهم ويغذّوه ويتقاسموه، ولكي ينقلوا اختبارهم إلى غيرهم. هكذا فعل يسوع مع تلاميذه الأول، دعاهم، وعاش معهم، وأدخلهم في اختبار جديد للحياة، وأشركهم في حياته الإلهية، ثمّ أرسلهم ليواصلوا عمله الانجيلي ويعلنوا للناس البشارة الجديدة(راجع مر3: 13-15؛ لو9: 1 و 6)(الفقرة 25).

2. الكنيسة مؤتمنة على إعلان الانجيل ونقله، لكونه “قوة الله لخلاص كل انسان يؤمن”(روم1: 16). الكلمة الانجيلية حية وفاعلة، وتحقق ما تقول، فهي أمضى من كل سيف ذي حدّين(راجع عب3: 12-13). إنّها يسوع المسيح نفسه. على الذين دُعوا إلى الدرجة المقدّسة في الكنيسة، أن يعتبروا أنفسهم مثل بولس الرسول “مفرزين لإعلان انجيل الله”(روم1: 1)، وأن يكونوا على يقين من أن الروح القدس يعطيهم القدرة ليشهدوا للمسيح في أي مكان(راجع أع1: 8)(الفقرة 26). والكنيسة تعرف أن إعلان الانجيل نعمة ودعوة خاصة بها، وهي هويتها الجوهرية. فالكنيسة توجد لكي تعلن الانجيل أي لتكرز وتعلّم، وتكون قناة عطية النعمة، وتصالح الخطأة مع الله، وتواصل ذبيحة المسيح في القداس الذي هو ذكرى موته وقيامته لفداء الجنس البشري وخلاص العالم، وتدخل المؤمنين والمؤمنات في الشركة مع الله. والكل من اجل البلوغ بالجماعة المؤمنة إلى حياة معاشة شاهدة، يواظب فيها المؤمنون على الصلاة والتعليم والافخارستيا(كسر الخبز) وتقاسم ما يملكون لخدمة المحبة تجاه المحتاجين(اع 2: 42-46)(الفقرة 27).

5. الانجيل هو إنجيل محبة الله، وهبة لكل إنسان من اجل الدخول في شركة الحياة والحب مع الله الواحد والثالوث. تغمرهم محبة الآب، تقدسهم نعمة الابن، يحييهم حلول الروح القدس. هذا الانجيل يحرّر ويشفي ويغفر ويخلّص. وهكذا ظهرت أعمال المسيح وشفاءاته. الانجيل موجّه إلى كل إنسان، لكي يُدخله في عملية تغيير ومشاركة في حياة الله التي تجددنا.

الكنيسة تواصل إعلان الانجيل بأمانة لأن فيه خير كل إنسان: “لا فضّة عندي ولا ذهب، ولكنّي أعطيك ما عندي: باسم يسوع المسيح الناصري قم وامشِ”(اع3: 6)؛ ولأن بقوته “يجعل المسيح كل شيء جديداً”(رؤ21: 5)؛ ولأنه يغيّر البشرية والتاريخ من الداخل بولوجه في المجتمع البشري وتغييره(الفقرات 28-30).

غاية الانجلة نقل الايمان الذي يقود الانسان الى الآب بواسطة المسيح وبفعل حلول الروح القدس(أف2: 18). جدة الانجيل أنه يغيّر الانسان. كم نشهد في تاريخ المسيحية من أعمال خارقة تمّت بشجاعة وتفانٍ وجرأة ورؤية وحكمة وأعمال قداسة ميّزت القارّات والبلدان(الفقرة31).

صلاة

أيها الرب يسوع ما زلت، بواسطة الكنيسة، تلقي على العالم والشعوب كلمة الله، بالكرازة والتعليم، بالقول والعمل وبشهادة الحياة. ساعدنا لكي نفتح قلوبنا الصافية والصالحة لقبول الكلمة، قبول الأرض الطيبة للحَب المزروع فيها. أخرجنا من حالة الاهمال وعدم الاكتراث والسطحية والغرق في شؤون الدنيا، لئلا نعطّل كلمة الله الحيّة والفاعلة من طبعها. حوّل الانسان والمجتمع وتاريخ البشر بخميرة انجيل المحبة المعطى لكل إنسان. ضع غَيرة بولس الرسول في الأساقفة والكهنة، لكي يدركوا واجبهم الخطير ومسؤوليتهم عن إعلان الانجيل ونقله بشتّى الانواع والسبل والتقنيات، ولا سيما بواسطة شهادة الحياة. فنرفع المجد والتسبيح للآب والابن والروح القدس، وإلى الأبد، آمين.

شاهد أيضاً

رسالة قداسة البابا فرنسيس في مناسبة اليوم العالمي الأوّل للأطفال

25-26 أيّار/مايو 2024 رسالة قداسة البابا فرنسيس في مناسبة اليوم العالمي الأوّل للأطفال 25-26 أيّار/مايو …

رسالة قداسة البابا فرنسيس في مناسبة الزّمن الأربعيني 2024 مِن البرِّيَّة يقودنا الله إلى الحرّيّة

رسالة قداسة البابا فرنسيس في مناسبة الزّمن الأربعيني 2024 مِن البرِّيَّة يقودنا الله إلى الحرّيّة …