كلمة ترحيب للنائب البطريركيّ العامّ على نيابة صربا، المطران بولس روحانا
في غداء “الشركة والمحبّة”، في كرسيّ النيابة الصيفيّ في عشقوت،
ختامًا للزيارة الراعويّة للبطريرك مار بشاره بطرس الراعي
لبلدات ورعايا فيطرون وريفون والقليعات وعشقوت
الأحد 18 آب 2013
صاحب الغبطة والنيافة الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي الكلي الطوبى،
صاحب الغبطة والنيافة الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير،
سعادة السفير البابوي المونسنيور غبريال كاتشا،
أصحاب السيادة،
حضرة الرؤساء العامّين الرئيسات العامّات،
حضرة الكهنة والرهبان والراهبات،
سعادة النائب الدكتور فريد الياس الخازن ممثِّلاً دولة الرئيس النائب ميشال عون،
أصحاب المعالي والسعادة،
أصحاب المقامات الدينيّة والقضائيّة والأمنيّة والحزبيّة والبلديّة والإختياريّة والثقافيّة والإجتماعيّة والتربويّة،
أيّها الحفل الكريم،
1 – بفرح روحي عميق يسرّني أن أرحِّبَ بكم يا صاحب الغبطة والنيافة، باسم هذا الجمع الحاضر، وبخاصة باسم رعايا وبلدات فيطرون، وريفون، والقليعات، وعشقوت، ونحن نلتقي معكم وحولكم لنتقاسم “غداء الشركة والمحبة” تتويجاً للزيارة الراعوية لقسم من رعايا قطاع الوسط في نيابة صربا البطريركية، وقد حللتم في ما بيننا حاملاً “البشرى الحلوة” باسم يسوع الذي فَرَزَكُم راعياً وأباً ومدبِراً لنا جميعاً.
2 – أرحّبُ بكم في “كرسي عشقوت”، المقرّ الصيفي لنيابة صربا، وهو نقطة تلاق مع ريفون وفيطرون. أشادَ هذا الصرح المثلث الرحمات المطران بولس مسعد العشقوتي وأنجزه في العام 1901 ليكونَ كرسيَّ أبرشيّة دمشق وفق التنظيم الكنسي السائد آنذاك، بعد أن كرّس كنيسته على إسم شفيعه القدّيس بولس الرسول، تُزَيّنها صورة فريدة لارتداد شاول / بولس على طريق دمشق، وقد حوّلتهُ نعمة المسيح من مُضطّهِد للكنيسة الأولى إلى مضّطَّهَد من أجل يسوع في سبيل “إعلان إنجيل السلام” (أفسس 6/15).
3- واستمرّت هذه التسمية “أبرشيّة دمشق” حتّى العام 1960 حين استُبدِلَت بِتسمية أخرى ألا وهي “أبرشيّة صربا” قبل أن تتحوّل تلكَ الأخيرة بِدَورها في العام 1990 إلى “نيابة صربا البطريركيّة”. أيّاً تَكُن الظروف الكنسيّة التي أدّت إلى إجراء تبديل في التسميات وإلى تَرسيم جديد لحدود الأبرشيّات باقتطاع قسم من هنا وضَمّ قسم من هناك، فأبناءُ الكنيسة في هذه الديار المباركة استمرّوا غيرَ آبهين بكلّ ذلك، طالما الثابتُ عندَهم هو أنّ كنيسة المسيح الواحدة هي قبلَ كلّ شيء جماعة المؤمنين بأنّ يسوع هو “الكرمة الحقيقيّة” وهم “الأغصان”، وأنّهم لا يقدرون أن يحملوا ثمراً كثيراً أو يفعلوا شيئاً ما لم يثبتوا في تلكَ الكرمة (يو15). وقّانا الله يا صاحب الغبطة تجربة “كنيسة الأغصان” التي تزهو وتَعتَزّ بأوراقها وثمارها وهي تنسى أو تتناسى أنّ ماويّتها الحقيقيّة هي من ارتباطها العضوي بسيّدها ومعلّمها يسوع المسيح وليس بالإتّكال فقط على قدراتها الذاتيّة.
4 – أرحّبُ بكم، يا صاحب الغبطة والنيافة، لا بصفتكم بطريركاً، أي “أباً ورئيساً” علينا جميعاً وحسب، بل أيضاً بصفتكم مطراناً خاصاً على الأبرشيّة البطريركيّة التي تحتضن إلى جانب نيابات جونيه وزغرتا الزاوية والجبّة، تحتضن نيابتَنا في صربا. وقد أوليتموني يا صاحب الغبطة، ومعكم آباء السينودس المنعقد في حزيران السنة الفائتة (2012) خدمةَ هذه النيابة خلفاً لصاحب السيادة أخي جي بولس نجيم السامي الاحترام. وقد استطاع أن يجعل من “خدمة المحبّة”، وهي أولى الوصايا وأعظمُهُنَّ في العهد الجديد، ذروة عمله الأسقفي في هذه النيابة طوال إثنين وعشرين سنة ونيِّف. وقد فرز سيادته قسماً من الطابق الأرضي لهذا الكرسي، فَرَزَهُ مركزاً من مراكز إعادة تأهيل المُدمنين على المخدّرات الذين يرعاهم “تجمّع أمّ النور” الذي كان أسّسه في نهاية الثمانينات من القرن المنصرم، مع فريق من أهل الخير والاختصاص.
5- وقد طلب منّي سيادته أن أقدّم لغبطتكم ولهذا الجمع الحاضر إعتذاره عن المشاركة بهذه الزيارة الراعويّة وبهذا الغداء لأسباب صحيّة، إثرَ العمليّة الجراحيّة التي أُجرِيَت له في الشهر الفائت والتي تستدعي فترة من النقاهة والراحة هي بمثابة “قصاص” فِعليٍّ لِمَن لم يَعرف الراحة في سنيِّ حياته. لسيادته منّا جميعاً أصدَق التحيّات والتمنّيات لاستعادة سريعة لعافيته ولعمله الكنسي فيما بيننا.
6- نلتقي اليوم يا صاحب الغبطة ونحن على “عتبة” هذا الكرسي العريق، لا لأنّ داخله يضيق بالمدعوّين الكرام، فالأروقة والقاعات فيه كثيرة وواسعة ومِضيافة كما تعلمون، وقد شهدت في الماضي لقاءات واستقبالات رسميّة وشعبيّة حاشدة. إنّي لواثق بأنّه يأتي يوم، وليس بِبَعيد، سنلتقي بإذن الله وبِهمّة الخيّرين، في داخل الكرسي بعد أن نقوم بأعمال الترميم اللازمة، إستكمالاً لما قام به صاحب السيادة المطران نجيم بهمّة الخيّرين أيضاً من ترميم وإصلاحات طالت السقف والحيطان الخارجيّة لمنع النشّ بعد أن تصدّعت بعض أقسام هذا الكرسي، كسواه من المباني في القُرى والبلدات المجاورة بسب الحرب البنانيّة، وكلُّنا نتمنّى أن تكون قد ولّت بدون رجعة. رجائي أن يَعيَ المؤمنون بوحدانيّة الله، وهي أساس وحدة العائلة البشريّة، أنّ الله خلق الانسانَ من البدءِ كائنَ شراكة ومحبّة، وأنّ الحوارَ منَ الندِّ إلى النَدِّ والعمل معاً لتحقيق الخير العام هما الطريق الوحيد لتعزيز ثقافة الشركة والمحبّة في مجتمعنا التعدُّديّ.
7- همّي، وهو همّ الكثيرين من أبناء هذه النيابة القاطنين في وسط كسروان، لا أن يكون هذا الكرسي مركزاً صيفيّاً للراحة ولاتّقاء حرّ الساحل وحسب، بل أن يستعيد دورَه الكنسي الجامع في بلدات ورعايا قطاعَي الوسط والجبل في النيابة، أي أن يعود مركزَ عمل راعوي عادي في هذه المنطقة طوال السنة، تزامناً وتكاملاً مع المركز الشتوي في صربا، نظراً لأهميّة الجبل في تكوين وجداننا الكنسي والوطنيّ عبر التاريخ وللتكامُل المَرجُوِّ بين الساحل والجبل.
8- للوصول إلى هذا الهدف، ستتكوّن في القريب العاجل يا صاحب الغبطة بعد أخذ بركتكم، أوّلاً “لجنة فنّيّة” من أصحاب الاختصاص لوضع التصاميم اللازمة وخطّة عمل لترميم هذا الكرسي على مراحل زمنيّة واضحة، وثانياً، “لجنة أصدقاء كرسي عشقوت” لدعم أعمال الترميم. ومن دواعي تأثّري وامتناني، هو أنّه قبل الاعلان الرسمي عن تكوين تلك اللجنتَين، تنادى بعض الخيّرين من هذه المنطقة بمبادرة شخصيّة منهم، وقدّموا في الأيّام الأخيرة مساهمات ماليّة هي بمثابة الخميرة الأولى التي ستخمّر العجين كلّه ببركة الله.
9- إنّي أضعُ هذا المشروع يا صاحب الغبطة بين أيديكم، بصفتكم مطراناً للأبرشيّة البطريركيّة التي تحتضن نيابة صربا، وأنا واثق بأنّكم ستدعمون أعمال الترميم بكلّ الوسائل المتاحة، كي يستعيد هذا الصرح دورَهُ الكنسي. فالأبنية الكنسيّة القديمة التي تزخر بها هذه المنطقة من كسروان هي بمثابة ذاكرةٍ حيّة لإيماننا، تذكّرنا بصمت وبثبات “بروحانيّة الطريق” التي تليق بأبناء الرجاء الذي لا يُخَيِّب (روم 5/5). بموجَبِ هذا الرّجاء، نحن حجّاج على هذه الأرض، قلوبنا مشدودةٌ إلى “الوطنِ السماوي”، إلى “الحياة الجديدة في الدهر الآتي” التي تُنيرُ من فَوق دروبَ حياتِنا المتعثِّرة على هذه الأرض، فنُدرِك أنّ “الرجاءَ هو التزام” وفق قول البابا الراحل الطوباويّ يوحنّا بولس الثاني، في إرشاده الرسوليّ “رجاء جديد للبنان”. فالرّجاءُ ليسَ سرابًا أو هروبًا إلى الأمامِ بقدرِ ما هو إلتزامٌ فعليٌّ وجدّيٌّ بشؤون الأرض وفق روحيّة السماء.
10- إنّي إذ أشكركم يا صاحب الغبطة والنيافة على زيارتكم الأبويّة، كما انّي أشكر كلّ المدعوّين لمشاركتهم فرحة اللقاء هذا، أودّ أن أنوّه أمامكم جميعاً بروح التعاون العالي الذي ساد بين البلديّات والرعايا أثناء الإعداد لهذه الزيارة الراعويّة وفي مراحلِ تحقيقها في أدقّ التفاصيل. وإن دلّ هذا الأمر على شيء، فهو أنّ العاملينَ في البلديّات والرعايا يُدرِكون أنَّ المجتمع المدني من جهّة، والكنيسة من جهّةٍ أخرى، وهي “الخبيرة بالانسانيّة” وفق قول أحد الباباوات، يَنشُدان معاً خدمة الخير العام ونُصرةَ كرامة الشخص البشري.
11- قدّرنا الله أن نتابع هذه المسيرةَ يداً بيد، كُلٌّ وَفقَ خصوصيّته وضمن نطاقِه، تحت نظر الله الواحد، وعلى خُطى القدّيس بولس شفيع هذا الكرسيّ، وببركتكم يا صاحب الغبطة والنيافة، وبتعاون أصحاب الارادات الصالحة. وشكراً.
المطران بولس روحانا
النائب البطريركي العام
على نيابة صربا