التنشئة المسيحية لغبطة أبينا البطريرك مار بشاره بطرس الراعي-الأحد الثاني من زمن الصليب 2015 (متى 24: 1-14) 27أيلول
زمن الصليب هو زمن الكنيسة، برعاتها وشعبها ومؤسساتها، التي deltajudo.ca تجاهد على الأرض من أجل بناء ملكوت الله. ولذلك تلقى الاضطهاد والمحن، لكن المسيح يعضدها بقوّة صليبه، وهي تتحلّى بثبات الرجاء والصبر، حتى تعمّ العالم كلَّه بشرى إنجيل الملكوت.
شرح نصّ الانجيل
من إنجيل القديس يوحنا متى 24: 1-14
قالَ مَتَّى الرَسُول: خَرَجَ يَسُوعُ مِنَ الهَيْكَلِ ومَضَى. فَدَنَا مِنهُ تَلامِيذُهُ يَلْفِتُونَ نَظَرَهُ إِلى أَبْنِيَةِ الهَيْكَل. فَأَجَابَ وقَالَ لَهُم: «أَلا تَنْظُرُونَ هذَا كُلَّهُ؟ أَلحَقَّ أَقُولُ لَكُم: لَنْ يُتْرَكَ هُنَا حَجَرٌ عَلى حَجَرٍ إِلاَّ ويُنْقَض». وفيمَا هُوَ جَالِسٌ عَلى جَبَلِ الزَيتُون، دَنَا مِنْهُ التَلامِيذُ على انْفِرَادٍ قَائِلين: «قُلْ لَنَا مَتَى يَكُونُ هذَا، ومَا هِيَ عَلامَةُ مَجِيئِكَ ونِهَايَةِ العَالَم؟». فَأَجَابَ يَسُوعُ وقَالَ لَهُم: «إِحْذَرُوا أَنْ يُضِلَّكُم أَحَد! فكَثِيرُونَ سَيَأْتُونَ بِاسْمِي قَائِلين: «أَنَا هُوَ المَسِيح! ويُضِلُّونَ الكَثِيرِين. وسَوْفَ تَسْمَعُونَ بِحُرُوبٍ وبِأَخْبَارِ حُرُوب، أُنْظُرُوا، لا تَرْتَعِبُوا! فلا بُدَّ أَنْ يَحْدُثَ هذَا. ولكِنْ لَيْسَتِ النِهَايَةُ بَعْد! سَتَقُومُ أُمَّةٌ عَلى أُمَّة، ومَمْلَكَةٌ عَلى مَمْلَكَة، وتَكُونُ مَجَاعَاتٌ وزَلازِلُ في أَمَاكِنَ شَتَّى، وهذَا كُلُّه أَوَّلُ المَخَاض. حِينَئِذٍ يُسْلِمُونَكُم إِلى الضِيق، ويَقْتُلُونَكُم، ويُبْغِضُكُم جَمِيعُ الأُمَمِ مِنْ أَجْلِ اسْمِي. وحِينَئِذٍ يَرْتَدُّ الكَثِيْرُونَ عَنِ الإِيْمَان، ويُسْلِمُ بَعْضُهُم بَعْضًا، ويُبْغِضُ بَعْضُهُم بَعْضًا. ويَقُومُ أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ كَثِيرُونَ ويُضِلُّونَ الكَثِيرِين. ولِكَثْرَةِ الإِثْمِ تَفْتُرُ مَحَبَّةُ الكَثِيْرين. ومَنْ يَصْبِرْ إِلى النِهَايَةِ يَخْلُصْ. ويُكْرَزُ بِإِنْجيلِ المَلَكُوتِ هذا في المَسْكُونَةِ كُلِّهَا شَهَادَةً لِجَمِيعِ الأُمَم، وحينَئِذٍ تَأْتِي النِهَايَة». |
1. سياق خطاب يسوع هو كلامه النبويّ عن خراب أورشليم، لأنّها لم تقبل biztoolz.ca افتقاد الله لها، وعنايته بها وتصميمها الخلاصي عليها. فقتلت الأنبياء، ورجمت المرسَلين إليها، ورفضت محاولة الربّ يسوع لجمعها وتحريرها من حالة شرورها (راجع متى 23: 37-39).
ما شغل بال تلاميذ يسوع خراب هيكل سليمان، لأنّه عندهم مسألة حياة وموت. ولذلك دنوا من يسوع ليُروه أبنية الهيكل. فهم الرب ما أقلق بالهم، فقال: “الحقّ اقول لكم، لن يُترك هنا حجرٌ على حجر، إلّا ويُنقض (متى 24: 1-2).
فقلقوا من جديد، واعتبروا أنّ بخراب الهيكل والمدينة المقدّسة تأتي نهاية العالم. فسألوه على حدة: “أخبِرْنا متى يحدث هذا الخراب. وما هي علامة مجيئك ونهاية العالم” (متى 24: 3).
2. كلّمهم يسوع عن عمليّات تضليل للمؤمنين على يد مسحاء كذبة، وعن اضطرابات ومحن تطال المؤمنين، بسبب ابتعاد المعتدين عن وصايا الله ورسومه. كان هذا الابتعاد عن الله والاعتداء على إرادته هو في أساسخراب أورشليم وهيكلها الذي حصل فعليًّا على يد الرومان سنة 70. وكان هدمُ الهيكل فلم يبقَ منه إلّا حائط واحد، معروف اليوم “بحائط المبكى”. ولم يعد بإمكان اليهود بناؤه من جديد حتى يومنا… ذلك أن الهيكل هُدم من أساسه، لأنه فَقَد مبرِّر وجوده، بعد صلب يسوع، ربّ الهيكل. وبالتالي بسبب هذه الجريمة ضدّ الإله المتجسّد من سلالتهم والذي سكن في ربوعهم، انتُزع منهم الكهنوت والنبوءة والملوكية، وأعطي للكنيسة، جماعة المؤمنين بالمسيح، فلم يكن بعد من حاجة إلى الهيكل.
يقول القدّيس إيلاريون أسقف بواتييه أنّ الربّ يسوع في جوابه على استفسار التلاميذ أراد أن يؤكّد وجوب هدم كلّ شيء في الهيكل وتدمير حجارة الأساسات وبعثرتها، لأنّ هيكلًا أبديًّا سيكرّس للروح القدس، وهذاالهيكل الأبدي هو الإنسان الذي استحقّ أن يكون سكنى الله، بمعرفة الابن، وبالاعتراف بالآب، والعمل بوصاياه”.
3. ونبّه الربّ يسوع تلاميذه إلى محاولات التضليل على يد مسحاء كذبة (الآية 4). بهذا التنبيه دعاهم ويدعونا إلى التعلّق بتعليم الإنجيل والكنيسة، فكلّ من يتثقّف بهذا التعليم، ويستنير بأنوار الروح القدس، ويتحلّى بفضائل التجرّد من الدنيويات ويترفّع عنها، ويدرّب ذهنه للفهم، هذا يعرف أن يميّز صوت يسوع المسيح وصوت الكنيسة من صوت المسحاء الكذبة وإيديولوجيات التضليل وخصوم الحقيقة. وهكذا يستقبل “كلمة الله” الذي جاء إلى العالم لينير كلّ إنسان، وملؤه النعمة والحقّ (يو 1: 14).
4. بالعودة إلى سؤال التلاميذ المزدوج حول العلامة عن خراب أورشليم، والعلامة عن نهاية العالم، لم يجبهم يسوع كمؤرِّخ يشرح ترتيب الأحداث الزمنية، بل كنبيّ يُنبئ بما سيحصل. فيجب فهم جواب يسوع عن “الحروب وأخبار الحروب” (الآية 6)، حرفيًّا وروحيًّا. إنّها تشير حرفيًّا إلى خراب أورشليم، وتدلّ روحيًّا على تجربة الكنيسة في مسيرتها التاريخية وعند تمام الأزمنة، ولذلك دعاهم إلى عدم القلق.
وأضاف يسوع أحداثًا نبويّة أخرى: “ستقوم أمّة على أمّة، وتكون مجاعات. ولكنّها ليست إلّا البداية” (الآية 7). هنا أيضًا يجب فهم هذه الأحداث حرفيًّا وروحيًّا. فحرفيًّا يخبر المؤرّخ يوسيفوس عن المجاعات والأوبئة والزلازل التي حلّت باليهودية قبل سقوط أورشليم. وروحيًّا، ستلقى الكنيسة في داخلها مثل هذه الأحداث: سيذوق الشعب المسيحي جوعًا روحيًّا للكلمة، وستضربه زلازل روحية وكوارث شهوانية متنوّعة، وستنتابه انقسامات متعدّدة، ما كانت لتظهر لولا جوعه إلى الكلمة. وما كان ليقاسي أمراض الأهواء الشهوانية، لو لم يكن قد استُثير من الخارج. هذا ما علّمه الربّ يسوع بمثَل العدوّ الذي يزرع زؤانًا بينما الناس نائمون (راجع متى 13: 25)، أي عندما يهملون حراسة أنفسهم ضدّ الخطيئة.
5. وأضاف الربّ يسوع أيضًا “التسليم إلى العذاب، والقتل والبغض من أجل اسمه، وارتداد البعض عن الإيمان، والخيانات المتبادلة، وجفاف المحبة في القلوب” (راجع الآية 9 و10). كلّ هذه الأمور اختبرها بولس الرسول، وتأتي من ثلاثة: المضلِّلين، والأعداء، والإخوة الكذّابين” يقول بولس: “حروب في الخارج، ومخاوف في الداخل. وأخطار من الإخوة الكذّابين” (راجع 2كور7: 5؛ 11: 13). وقال: “لأنّ هؤلاء القوم رسلٌ كذّابون، وفَعَلَة مخادعون، يظهرون بمظهر رسل المسيح” (2كور11: 13).
كلّ هذه الامور المؤسفة والمؤلمة تحدث كلّ يوم. ويتعرّض لها بنوع خاصّ الأشخاص الذين يتفانون في سبيل الخير العام، وإعلان الحقيقة، وإحلال العدالة والسلام. فالربّ يسوع يدعو إلى الاحتمال بصبر، لأنّ بالصبر نجد الخلاص من كلّ هذه الشرور، ونضمن خلاص نفوسنا (راجع الآية 13).
6. وأخيرًا يؤكّد الربّ يسوع أنّ نهاية هذه الأمور والأحداث تتمّ “بعد إعلان إنجيل ملكوت الله في العالم كلّه، شهادةً للمسيح عند جميع الأمم” (الآية 14). حاليًّا كلّ الثابتين على الإيمان والرجاء والمحبة، وعلى التعليم الصحيح، لا يضطربون بل يصمدون بثبات وفرح، ويواصلون الشهادة للمسيح ولإنجيله بنوعيّة حياتهم وبأعمالهم ومبادراتهم. هؤلاء لا تغلبهم الشدائد، بل تقوّيهم.
وتنتهي في العالم الحروب والاضطهادات والأضاليل، وتعود المحبة فتروي القلوب، عندما يدخل إنجيل الله في جميع الثقافات، ويصبح أسلوب حياة ومصدر حضارة روحية وأخلاقية واجتماعية.
هذه قيمة الحضور المسيحي وأهميّته في مختلف المجتمعات، وبخاصّة في الشّرق الأوسط، حيث طغتْ لغة الحرب والبغض والعنف والإرهاب. وحده إنجيل الأخوّة والعدالة والسلام، إنجيل قدسيّة الحياة البشريّة وكرامتها، كفيل بهداية ضمائر حكّام الدول إلى إيقاف الحروب والنّزاعات وموجات العنف والإرهاب، وإلى إيجاد الحلول السياسيّة السّلميّة لها، وإلى إعادة النّازحين والمهجَّرين والمخطوفين واللاجئين إلى بيوتهم وأراضيهم.
* * *
ثانياً: تدشين مقرّ مطرانيّة طرابلس المارونيّة في القبيّات والزيارة الراعويّة إلى رعايا وبلدات قضاء جزين من أبرشية صيدا المارونية.
يوم الخميس 17 أيلول الجاري دشّنّا، مع المطران جورج بو جودة، رئيس أساقفة طرابلس، المقرّ الأسقفي الجديد في مدينة القبيّات في عكار، بحضوره، ومشاركة عدد من مطارنتنا. كانت فرحة كهنة القبيّات وعكار وشعبها فرحة عارمة، لوجود مطران الأبرشيّة فيما بينهم في مقرّ أسقفي خاصّ به، يكون منطلق الإشعاع الرّوحي والرّاعوي والإجتماعي في محافظة عكار التابعةلأبرشية طرابلس. وقد وعد الأسقف أبناء أبرشيّته بتعيين نائب أسقفي له يقيم بشكل دائم في هذا المقرّ. إن القبيّات وعندقت المجاورتَين تشكّلان قلبًا نابضًا في محافظة عكار، إلى جانب بلدات ورعايا مارونية أخرى. لكنّها تشكّل أيضًا مع أبرشية الروم الأرثوذكس ورعاياها وغيرها حضورًا مسيحيًّا فاعلًا. وتتميّز محافظة عكار بالعيش الواحد المسيحي–الإسلامي القائم على التعاون والاحترام المتبادل. والكلّ يسهمون في مؤسسات الدولة، وعلى الأخصّ في الجيش والقوى والأمنية.
2. يومَي السبت والأحد (19-20 أيلول) قمتُ بزيارة راعويّة لقضاء جزّين من أبرشيّة صيدا المارونيّة بدعوة من راعيها المطران الياس نصّار ومشاركة مطارنة من كنيستنا ومطران صيدا للروم الملكيّين الكاثوليك المتروبوليت إيلي حداد ومطران صيدا وصور للروم الأورثوذكس المطران الياس الكفوري.
شملت الزيارة 23 بلدة ورعية: الرميلة حيث وضعنا حجر الأساس لمشروع مار الياس السّكني، لبعا، عين المير، قيتولي، المكنونيّة، حيداب، صيدون، ريمات، دير القطين للرهبانيّة الأنطونيّة، الحرف، بتدين اللقش، الميدان حيث أزحنا الستارة عن نُصب البطريرك سمعان عوّاد، بنواتي، جزين حيث أنهينا اليوم الأوّل بعدّة محطّات:
– إزاحة السّتارة عن نُصب المطران يوسف رزق مؤسسة كنيسة ومدرسة مار يوسف.
– إزاحة السّتارة عن نُصب البطريرك الكاردينال مار بولس بطرس المعوشي المقام في ساحة جزين التي تحمل إسمه، وهي مقابل بيته الوالدي.
– تبريك مشروع يوحنا بولس الثاني السّكني.
– زيارة مؤسّسة البطريرك المعوشي الخيريّة والميتم اللّذَين سلّمهما لجمعيّة راهبات العائلة المقدّسة المارونيّات.
– قدّاس ختامي مع أبناء جزين وفعاليّاتها في كنيسة مار مارون، ومائدة محبّة في القاعة الراعوية.
وشملت في اليوم الثاني، دير سيّدة مشموشة حيث قضينا ليلتنا، ثمّ بلدات ورعايا حيطورا، زحلتي، جباع – عين بو إسواره، جرجوع،
صربا حيث احتفلنا بقداس الأحد مع أبناء الرعيّة والرّعايا المجاورة، بحضور رسميّين من المسلمين الشّيعة، وتشاركنا بمائدة المحبّة في القاعة الراعوية، ثمّ تابعنا إلى عرب الجبل وعنقون وطنبوريت وأخيراً درب السيم.
أهمّ ما لفتنا في هذه الزيارة جمال الطبيعة وخضارها، وإيمان شعبنا المشعّ، وخروجهم من محنة الاحتلال والحرب متجدّدين في مسيحيّتهم وهي بادية في كنائسهم الجديدة التي بنوها قرب الكنائس القديمة، وفي القاعات الراعوية، وفي بيوتهم وشوارع بلداتهم. ولاحظنا نشاطًا إنمائيًّا مرموقًا للبلديات والمجتمع الأهلي. وشاهدنا الفرح البادي على وجوههم، وطيب العيش المشترك المسيحي-الإسلامي.
لكن المطلب الأساسي المشترك هو توفير فرص عمل، وفرع جامعي، ومستشفى حكومي مفعّل، فلا يضطرون إلى إفراغ هذه البلدات الجميلة والنزوح إلى بيروت لتلبية هذه الحاجات.
هكذا انفتحت أمام الكنيسة مجالات واسعة للعمل الاجتماعي والإنمائي والجامعي والصحي.
هذه مناسبة لنشكر الجميع على سخاء الحفاوة والمحبة والتكريم.
* * *
صلاة
أيّها الربّ يسوع، أنت بقوّة صليبك، تعضد الكنيسة، رعاةً وشعبًا ومؤسّسات، في مواجهة المحن والاضطهادات وحملات التضليل. وتريد منها أن تكرز بإنجيلك لكلّ الشعوب، لكي يتحرّروا من عبوديات الكذب والاعتداء والحرب والعنف والإرهاب. وتوكل إليها تثقيف إيمان المؤمنين والمؤمنات، لكي يجدوا، في كلام الحياة، الشجاعة على الصمود بثبات الرجاء، وبالصبر على المحن. فليهدِ نور إنجيلك ضمائر الحكّام المسؤولين عن قرار الحروب وإزكاء الانقسامات، لكي تكون لديهم الشجاعة والجرأة والتجرّد من المصالح لإيقاف الحروب وحلّ النزاعات سلميًّا، وبناء سلام عادل وشامل ودائم. ومن فم الجميع فليرتفع نشيد المجد والتسبيح للآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.
* * *