التنشئة المسيحية لغبطة أبينا البطريرك مار بشاره بطرس الراعي – الأحد الخامس من زمنOrder Cheap Canada Goose Outlet Online الصليب الأحد 18 تشرين الأوّل 2015
(متى 25: 1-13)
الخلاص الأبدي والثّبات في مقتضيات الإيمان
في خطاب يسوع عن الواقعات الجديدة التي تلي الحياة على الأرض، يتحدّث الربّ عن الموت. فيُسمّيه “مجيئه كعريس” ويشرك في وليمة العرس المؤمنين به والمؤمنات، الذين عاشوا في هذه الدنيا بالأعمال الصالحة حتى النّهاية. لكنه يُقصي عن المشاركة في وليمة العرس أولئك الذين لم يصمدوا في الحياة والأعمال الصالحة حتى نهاية حياتهم. الإشراك والإقصاء هما تأكيد على الدينونة الشخصيّة للخلاص أو للهلاك الأبديَّين. هذه الحقائق الإيمانيّة علّمها الربّ يسوع في مَثَل العريس الآتي والعذارى العشر المنتظرات.
أوّلاً، شرح نص الإنجيل
من إنجيل القديس متى 25: 1-Canada Goose Jackets Outlet 13
قالَ الرَبُّ يَسُوع: «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَمَاوَاتِ عَشْرَ عَذَارَى أَخَذْنَ مَصَابِيحَهُنَّ وخَرَجْنَ إِلى لِقَاءِ العَريس، خَمْسٌ مِنْهُنَّ جَاهِلات، وخَمْسٌ حَكِيمَات. فَالجَاهِلاتُ أَخَذْنَ مَصَابِيحَهُنَّ ولَمْ يَأْخُذْنَ مَعَهُنَّ زَيْتًا. أَمَّا الحَكِيْمَاتُ فَأَخَذْنَ زَيْتًا في آنِيَةٍ مَعَ مَصَابِيْحِهِنَّ. وأَبْطَأَ العَريسُ فَنَعَسْنَ جَمِيعُهُنَّ، ورَقَدْنَ. وفي مُنْتَصَفِ اللَيل، صَارَتِ الصَيحَة: هُوَذَا العَريس! أُخْرُجُوا إِلى لِقَائِهِ! حينَئِذٍ قَامَتْ أُولئِكَ العَذَارَى كُلُّهُنَّ، وزَيَّنَّ مَصَابِيحَهُنَّ. فقَالَتِ الجَاهِلاتُ لِلحَكيمَات: أَعْطِينَنا مِنْ زَيتِكُنَّ، لأَنَّ مَصَابِيحَنَا تَنْطَفِئ. فَأَجَابَتِ الحَكيمَاتُ وقُلْنَ: قَدْ لا يَكْفِينَا ويَكْفِيكُنَّ. إِذْهَبْنَ بِالأَحْرَى إِلى البَاعَةِ وابْتَعْنَ لَكُنَّ. ولَمَّا ذَهَبْنَ لِيَبْتَعْنَ، جَاءَ العَريس، ودَخَلَتِ المُسْتَعِدَّاتُ إِلى العُرْس، وأُغْلِقَ البَاب. وأَخيرًا جَاءَتِ العَذَارَى البَاقِيَاتُ وقُلْنَ: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ، افْتَحْ لَنَا! فَأَجَابَ وقَال: أَلحَقَّ أَقُولُ لَكُنَّ، إِنِّي لا أَعْرِفُكُنَّ! إِسْهَرُوا إِذًا، لأَنَّكُم لا تَعْلَمُونَ اليَوْمَ ولا السَاعَة».
يجب شرح الرّموز لكي نفهم الحقائق التي يعلّمها الرب يسوع في هذا المثل:
1- ملكوت السّماوات هو سرّ المسيح فادي الإنسان ومخلِّص العالم، الحاضر في الكنيسة التي جعلها أداة الخلاص الشامل للبشريّة جمعاء. وهي الكنيسة المجاهدة على الأرض من أجل أن تحمل الخلاص بالمسيح لجميع الناس. وهي الكنيسة الممجّدة في السّماء، المشارِكة بأبنائها وبناتها المخلَّصين في وليمة عرس الحمل.
2- العذارى هنّ النفوس البشريّة المدعوّة إلى الخلاص بالمسيح. من بينهاالحكيمات، وهنّ المؤمنون والمؤمنات الذين عاشوا ثمار الخلاص، وظلّوا أمناء للإتّحاد الخلاصي بالله، حتى نهاية حياتهم. وأيضًا الجاهلات وهنّ الذين واللَّواتي لم يصمدوا في إيمانهم، وفي عيش ثمار الخلاص ومقتضياته، وفي الإتّحاد بالله حتى نهاية رحلتهم على وجه الأرض. ذلك بسبب تجارب الحياة وصعوباتها ولأسباب أخرى متنوّعة، من مثل: التمادي في الخطيئة من دون توبة، والإنجراف وراء المثل العاطل والمغريات والإنفلات الأخلاقي.
3- مصابيح العذارى هي الفضائل الإلهيّة: الإيمان والرجاء والمحبة التي زيتها الأعمال الصالحة، والمواقف والمبادرات الحسنة. والمصابيح هي ايضًا مراكز هذه الفضائل الإلهيّة: العقل للإيمان والحقيقة، والإرادة للرجاء والخير، والقلب للمحبة والرحمة. ينبغي أن تظلّ مصابيحنا مُضاءة، كما يوصينا الربّ يسوع: “فليُضئْ نورُكم أمام الناس، ليرَوا أعمالكم الصالحة، ويُمجّدوا أباكم الذي في السماوات” (متى 5: 16). المصابيح موجودة فينا منذ ولادتنا كعطيّة من الله، وعلينا ان نجعلها دائماً مُضاءة بالأعمال الصالحة. هذا ما يدعونا إليه المسيح في كلام آخر: “لتكُن أوساطُكم مشدودة ، وسرجُكم موقدة” (لو12: 53).
4- العريس هو المسيح، لأنّ في اللِّقاء الخلاصي به سعادة الإنسان، وهو لقاء مشبَّه بالعرس. فالخلاص الأبدي مشاركة في وليمة عرس الحمل التي رواها يوحنا الرّسول في رؤياه. بهذا المعنى يُسمَّى المسيح “عريس النفوس”، وبخاصّة بالنسبة إلى المكرَّسين والمكرَّسات.
مجيء العريس، في هذا السياق، هو ساعة الموت الشخصي. انه حتمي وغير معروف زمانه ومكانه. جاء العريس من بعد ان رقد العذارى كلهنّ. الرقاد هو الموت. اما منتصف الليل فهو الوقت الذي لا نتخيّله ولا نتوقّعه. اما تأخر العريس في المجيء فهو زمن التوبة. تهيئة المصابيح عند مجيء العريس هي الحضور امامه بأعمال المحبة والرحمة وإشعاع الطهارة وسائر الفضائل.
يأتي العريس ليأخذنا إليه، إلى سعادة مجده، إذا كنّا من “العذارى الحكيمات”. ويتّخذ الموت إسم الباب الذي به نعبر مع المسيح إلى وليمة العرس الإلهيّة. ولكن لا يعبر به سوى المؤمنون المستعدّون بأعمالهم الحسنة وسيرتهم الصالحة. والباب يعني أيضاً باب الخلاص، باب العبور إلى السماء، الذي يُغلق بوجه الذين واللّواتي لم يُضيئوا مصابيحهم بالأعمال الصالحة، أو لم يثبتوا فيها حتى النهاية.
5- ماذا يعني عدد عشر عذارى، وتصنيفهن خمس حكيمات وخمس جاهلات؟
يشرح القديس أغسطينوس هذا الرمز انطلاقًا من النفس في الجسد البشري. فإنّها تُمنح الرقم خمسة لاستخدامها خمس حواسّ هي بمثابة بوّابات لإدراك الجسد حسّيًا: النظر والسمع والشم والذّوق واللمس. النفوس الحكيمة هي التي تمتنع عن كلّ محرّم في استعمال هذه الحواس، وتعيش في الطهر والعفاف. أمّا النفوس الجاهلة فهي التي تسيء استعمال حواسّ جسدها، باستباحة المحرّمات.
الزيت في مصابيح العذارى هو المحبة والطهارة والرحمة.
المحبة هي الأساس: فمَن يحب الله حقًّا يمتنع عن كلّ ما يسيء لإرادته (الطهارة).ومَن يحبّ الناس حقًّا يعاملهم بالرحمة. ويقول القديس اغسطينوس: يشير الزيت إلى المحبة التي تفوق جميع الفضائل. هي كالزيت الذي يعوم فوق جميع السوائل. صبَّ الماء، وصبَّ فوقه الزيت، فيطفو الزيت. بهذا المعنى قال بولس الرسول: “المحبة لا تسقط أبدًا” (1 كور13: 8).
6- العذارى الجاهلات يطلبن زيتًا من الحكيمات. فلم يعطين، ولم يستطعن شراء الزيت والوصول في الوقت المناسب للقاء العروس والدخول معه إلى وليمة العرس.
هذه رموز تدلّ على أنّ عند ساعة الموت والحضور أمام الله، يحضر كلّ واحد وواحدة بشخصيّته وبأعماله، ولا يستطيع الإفادة من شخصيّة غيره وأعماله. هذا ما علّمه الربّ يسوع في مَثَل الغني ولعازر في قول ابراهيم للغني: “تذكّر أنّك أكلت خيراتك في حياتك ولعازر بلاياه … وبيننا وبينكم هوّة عظيمة ولا مجال للعبور من عندنا إليكم، ولا من عندكم إلينا” (لو16: 19-31). وفي رؤيا يوحنا تطويبة “الذين يموتون بالرب، لأنّ أعمالهم تتبعهم” (رؤ14: 13).
أمّا “الذهاب لشراء زيت”، ففيه نوع من الهزء من قِبل الحكيمات. لأنّه ما من مجال بعد الموت للعودة إلى الوراء. فالزمن الذي أعطي ويُعطى إنما كان ويكون للعيش في نور الفضائل والأعمال الصالحة. ولكن بحسب المَثل الانجيلي، ذهبت الجاهلات وابتاعت زيتًا، غير أنّهن وصلن “بعد الدخول إلى وليمة العرس وإغلاق الباب”. هذا يدلّ على أن ما يصنعه الإنسان بعد موته لا يفيده، فهو بالحقيقة لا يستطيع فعل شيء آخر بعد انفصال روحه عن جسده؛ وان الندامة بعد الموت لا تفيد شيئًا. “عدم إمكانية الدخول وجواب الرب” يعني أن الإنسان هو الذي بإرادته ينفصل عن الله في حياته، ويحدّد مصيره، أي الهلاك الأبدي. ولأنّه لم يشأ أن يعرف الله، فلم يترك مجالًا لكلمة الله ونعمته ولروحه القدوس أن يدخل إلى نفسه. بهذا المعنى أجاب الربّ الجاهلات: “الحق أقول لكنّ اني لا أعرفكنّ”.
وتأتي الأمثولة-العبرة من هذا المَثل الإنجيلي “اسهروا إذن لأنّكم لا تعلمون اليوم والساعة” (متى 25: 13).
*****
ثانيًا، ألقاب مريم العذراء في طلبتها
نواصل التأمّل في ألقاب مريم العذراء الكلّية القداسة كأمّ. تأمَّلنا في الأحد الماضي في أربعة من هذه الألقاب، من أصل أحد عشر لقبًا.
5. يا أمًّا غير مدنّسة
يمتدح هذا اللقب أمّنا السماوية، لأنّها لم تعرف أيّ خطيئة أصلية، بتدخّل إلهي، ولا أي خطيئة شخصية بقوّة النعمة الإلهية التي ملأت كيانها. عليها ينطبق الكلام الإلهي في سفر الحكمة: “إنّها أبهى من الشمس، وأسمى من كلّ مراكز النجوم. وإذا قيست بالنور تقدّمت عليه” (حكمة 7: 29). وإليها يتوجّه الإله في نشيد الأناشيد: “كلُّكِ جميلة يا حبيبتي، وما فيك عيب” (نشيد 4 7). نلتمس منها أن تساعدنا للانتصار على تجارب الحياة وتجنّب أسباب الخطيئة.
6. يا أمًّا بغير عيب
يتّصل هذا اللقب في مريم بإحدى مواهب الروح القدس السبع، وهي مخافة الله: “رأس الحكمة مخافة الله” (مز111: 10). انها فضيلة التقوى البنوية التي توجّه قلبنا إلى محبة الله، بدرجة الخوف من الإساءة له، بأي فعل أو فكر أو إهمال. مريم “الام بغير عيب”، تميّزت باحترام كبير لإرادة الله بكلّ وجوهها الحلوة والمرّة، ولتصميمه الخلاصي. نلتمس نعمة التشبّه بمريم في عيش موهبة مخافة الله الثمينة، فنضع في أولى اهتماماتنا تحقيق إرادته فينا، وفي العالم، ونخاف من ارتكاب أي خطيئة تسيء لإرادة الله ووصاياه ورسومه. “فالربّ يسمع تضرّع خائفيه، فيخلّصهم” (مز145: 19).
7. يا أمًّا حبيبة
هكذا ندعوها لأنّها أصبحت أمّنا الروحية على أقدام الصليب بشخص يوحنا الحبيب. فقبل أن يسلم ابنها الإلهي يسوع روحه على الصليب، التفت إليها مشيرًا إلى يوحنا، وقال: “يا امرأة هذا ابنكِ. وقال ليوحنا: “هذه أمّك” (يو19: 27). في فرح البشارة أصبحت مريم أمّ يسوع بالجسد، وفي آلام الصليب أصبحت أمّنا بالتبنّي. الشكر للرب المسيح الفادي الذي أحبّ كلّ واحد وواحدة منّا لحظة نزاعه، فأعطى أمَّه أمًّا لنا، حاضرة دائمًا في حياتنا، تحمينا وتعزّينا وتعرّفنا على وجه يسوع، وترافق مسيرتنا في بحر هذا العالم نحو الميناء الأمين. أمّا فخرنا العظيم فهو أنّنا أبناء مريم وإخوة يسوع، ومدعوون لنكون به إخوة لبعضنا البعض. رسالتنا أن ننشر الأخوّة بين جميع الناس، ونشدّد روابطها.
*****
صلاة
أيّها الرب يسوع، أنت تأتي كلّ يوم إلى كلّ واحد وواحدة منّا، تخاطبنا بكلمتك، تقدّم لنا نعمة أسرارك الشافية، وتفيض علينا المحبة بروحك القدوس. إنّك بذلك تضيء مصابيح حياتنا. ساعدنا لكي نضيئها دائمًا بنور الحقيقة والمحبة والرحمة. فنكون مستعدّين لاستقبالك في مجيئك العظيم عند نهاية حياتنا، وندخل إلى عرسك الأبدي.
ويا مريم أم يسوع وأمنا، غير المدنّسة، ولا عيب فيها، وحبيبة، جمّلينا بالنعمة التي تحفظنا من دنس الخطيئة، وبفضيلة مخافة الله لنرضيه في كلّ حين، وبالمحبة لكي نبني بها علاقة البنوّة لله ولكِ، وعلاقات الأخوّة مع جميع الناس. للثالوث المجيد الآب والابن والروح القدس، كلّ مجد وتسبيح، الآن وإلى الأبد، آمين.