التنشئة المسيحية لغبطة أبينا البطريرك مار بشاره بطرس الراعي الاحد 20 كانون الاول 2015
أحد نسب يسوع (متى 1: 1-17)
انتماء يسوع الإله إلى العائلة البشرية
في هذا الأحد الأخير من زمن المجيء السابق للميلاد، تذكر الكنيسة المارونية نسب يسوع ابن الله إلى العائلة البشرية. هذا النسب هو نهاية مسيرة الأجيال نحو المسيح الهدف والغاية، مسيرة بلغت “ملء الزمن” بميلاده. كلّ كتب العهد القديم المقدسةتكلّمت عنه بأقوال مباشرة وبرموز.
إنّه الأوّل لكونه إله كائن قبل الدهور ومساوٍ للآب في الأزلية، وهو الآخر لكونه صار إنسانًا وشاركنا في طبيعتنا.
شرح نص الانجيل
من انجيل القديس متى 1: 1-17
«كِتَابُ ميلادِ يَسُوعَ المَسيح، إِبنِ دَاوُد، إِبْنِ إبْرَاهِيم: إِبْرَاهِيمُ وَلَدَ إِسْحق، إِسْحقُ وَلَدَ يَعْقُوب، يَعْقُوبُ وَلَدَ يَهُوذَا وإِخْوَتَهُ، يَهُوذَا وَلَدَ فَارَصَ وزَارَحَ مِنْ تَامَار، فَارَصُ وَلَدَ حَصْرُون، حَصْرُونُ وَلَدَ آرَام، آرَامُ وَلَدَ عَمِينَادَاب، عَمِينَادَابُ وَلَدَ نَحْشُون، نَحْشُونُ وَلَدَ سَلْمُون، سَلْمُونُ وَلَدَ بُوعَزَ مِنْ رَاحَاب، بُوعَزُ وَلَدَ عُوبِيدَ مِنْ رَاعُوت، عُوبِيدُ وَلَدَ يَسَّى، يَسَّى وَلَدَ دَاوُدَ المَلِك.
دَاوُدُ وَلَدَ سُلَيْمَانَ مِنِ امْرَأَةِ أُوْرِيَّا، سُلَيْمَانُ وَلَدَ رَحَبْعَام، رَحَبْعَامُ وَلَدَ أَبِيَّا، أَبِيَّا وَلَدَ آسَا، آسَا وَلَدَ يُوشَافَاط، يُوشَافَاطُ وَلَدَ يُورَام، يُورَامُ وَلَدَ عُوزِيَّا، عُوزِيَّا وَلَدَ يُوتَام، يُوتَامُ وَلَدَ آحَاز، آحَازُ وَلَدَ حِزْقِيَّا، حِزْقِيَّا وَلَدَ مَنَسَّى، مَنَسَّى وَلَدَ آمُون، آمُونُ وَلَدَ يُوشِيَّا، يُوشِيَّا وَلَدَ يُوكَنِيَّا وإِخْوَتَهُ، وكانَ السَبْيُ إِلى بَابِل.
بَعْدَ السَبْيِ إِلى بَابِل، يُوكَنِيَّا وَلَدَ شَأَلْتِيئيل، شأَلْتِيئيلُ وَلَدَ زُرُبَّابِل، زُرُبَّابِلُ وَلَدَ أَبِيهُود، أَبيهُودُ وَلَدَ إِليَاقِيم، إِليَاقِيمُ وَلَدَ عَازُور، عَازُورُ وَلَدَ صَادُوق، صَادُوقُ وَلَدَ آخِيم، آخِيمُ وَلَدَ إِلِيهُود، إِلِيهُودُ وَلَدَ إِلِيعَازَر، إِلِيعَازَرُ وَلَدَ مَتَّان، مَتَّانُ وَلَدَ يَعْقُوب، يَعْقُوبُ وَلَدَ يُوسُفَ رَجُلَ مَرْيَم، الَّتي مِنْهَا وُلِدَ يَسُوع، وهُوَ الَّذي يُدْعَى المَسيح.
فَجَميعُ الأَجْيَالِ مِنْ إِبْرَاهيمَ إِلى دَاوُدَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلاً، ومِنْ دَاوُدَ إِلى سَبْيِ بَابِلَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلاً، ومِنْ سَبْيِ بَابِلَ إِلى المَسيحِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلاً.
1. الغاية من نسب يسوع إعلان طبيعة يسوع الإنسانية، وفي الوقت عينه ترسيخ الإيمان به، وإزالة الشك في كونه إلهاً بطبيعته، وإنسانًا حقًّا في تدبيره الخلاصي.
هو إيّاه “الكلمة عند الله، والكلمة الله الذي صار بشرًا وعاش بيننا” (يو1: 1-2 و14). عندما كتب أشعيا: “أما نسبه فمن يصفه” (أش53: 1)، إنما كان يعني نسبه الإلهي الذي هو سرّ لا يوصف، فيما متى الإنجيلي يعرض نسبه البشري. وقد صار إنسانًا في ملء الزمن.
2. كتب متى إنجيله إلى اليهود. ولذلك بدأه: “إنجيل يسوع ابن داود، ابن ابراهيم.” يتبادر فورًا السؤال لماذا يخالف متى التسلسل الذي تبعه في نسب يسوع، فذكر داود قبل ابراهيم، علمًا ان داود يأتي فيما بعد مولودًا ليسّى، وهو خاتمة الأجيال الأربعة عشر الأولى؟ لقد أراد متى إظهار نسب يسوع الملوكي من داود، تسلسلًا من أبيه يوسف الذي هو من سلالة داود الملك (لو1: 27). فيسوع هو الملك السماوي الجديد، الذي اسّس مملكته التي هي الكنيسة “وليس لها انقضاء” (لو1: 33).
وهكذا يُعطي متى الإنجيلي أهمية أكبر لملوكيّة يسوع التي أشركنا فيها بالمعموديّة والميرون، أكثر مما يُعطي للولادة. وهكذا يعودُ فيبدأ السلالات من إبراهيم.
“يسوع إبن إبراهيم” لأنّ فيه تمّت المواعيد لابراهيم، إذا قال له الله إنّ “بذريّته تتبارك الأمم”، فكانت البركة بالمسيح. هكذا شرح بولس الرّسول: “على أنّ المواعيد قد وُجّهَتْ إلى ابراهيم ونسله. ولم يقٌلْ “أنساله” بصيغة الجمع، بل إلى “نسلهِ” بصيغة المفرد، أي المسيح” (غلاطية 3: 16).
ثمّ يأتي يسوع من سبط يهوذا من حيث الترتيب الملوكي (متى 1: 3). وقد وعدَ الله هذا السبط بأن يولد منه الملك الأبديّ، المسيح الربّ. فداود كان الملك الأوّل من سبط يهوذا، الذي منه اتخذَ الإله جسداً. لهذه الأسباب أعلنَ متى الإنجيلي المسيح الربّ “إبن داود، إبن ابراهيم”. تُسمّى سلسلة نسب يسوع السيح “بترتيب النسب الملوكي”، فيما لوقا الإنجيلي يقدّم سلسلة النّسب “بترتيب كهنوتي”، إذ جعلَ أسلافه من سبط لاوي عبر ناثان (راجع لو 3: 23 – 38). من خلال السلسلتين يظهر نسب يسوع البشريّ أنّه الملك السّرمدي والكاهن الأزلي. يوسف ومريم ينتسبان إلى سُلالتَي إبراهيم وداود.
3. الأسماء الثّلاثة الأولى: إبراهيم وإسحق ويعقوب هم مختصر كلّ آباء العهد القديم الذين تحدّرَ منهم المسيح إبن الله. ولهذا كان الله يُعرّف بنفسه أنّه “إله ابراهيم وإسحق ويعقوب”. فابراهيم هو أبو المؤمنين ومثال كلّ مؤمن مطيع لإرادة الله. وقد ظهرَ إيمانه عندما طلبَ منه الله: “إرحلْ من أرضِكَ وعشيرتِكَ وبيتِ أبيكَ إلى الأرضِ التي أُريكَ” (تكوين 12: 1)؛ وعندما طلبَ منه أن يُضحّي بوحيده إسحق محرقة للربّ (راجع تكوين 22: 2). وإسحق هو رمز المسيح الذي قدّمه الآب، وهو قدّم ذاته، ذبيحة فداء عن البشريّة جمعاء. أمّا يعقوب فهو أبو الآباء إذ ولدَ أسباط الشّعب القديم الإثنَي عشر، الذي حلّ محلّهم الرّسل الإثنا عشر في العهد الجديد. وهو رمز المسيح أيضاً: فكما نزلَ …..
4. لم يذكر متّى في نسب يسوع عيسو أخا يعقوب، إبنَي إسحق، لأنّ عيسو يرمز إلى عهد الخطيئة والشّرّ. حتّى منظره الخارجي كان يدلّ على ذلك، إذ غطّيَ بشعرٍ من رأسه إلى أخمص قدمَيه. وقد اضطهدَ أخاه يعقوب الذي كان وسيماً ومهذّباً كلّ التّهذيب. فكانَ يُشيرُ إلى الدّهر الجديد الآتي بالمسيح. وقد طلبتْ منه أمّه “أن يقوم ويهربَ إلى بلاد ما بين النّهرَين حتّى يهدأ غضب أخيه عيسو” (تك27: 43- 44).
هكذا تُعلّم أمّنا الكنيسة أبناءها وبناتها في أيّام الإضطهاد والمِحَن، بفم المسيح رأسها: “إذا طاردوكم في مدينة، فاهربوا إلى أخرى” (متى 10: 23) وبفم بولس الرّسول: “لا تنتقموا لأنفسكم” (روم12: 19).
5. يذكر متى الإنجيلي في نسب يسوع نساء ثلاث إرتكبنَ الدّعارة وهنّ: تامار التي منها ولد يهوذا فارص وزارح: زارح يرمز إلى الشّعب اليهودي، وفارص إلى الأمم (اي غير اليهود أو الوثنيّين). والمرأة الثّانية هي امرأة أوريّا التي ولدَ منها داود الملك إبنه سليمان. ذكَرَهما للدلالة أنّ المسيح جاء ليشفي طبيعتنا التي زلّتْ وسقطتْ وانغمستْ في شهوات غير مشروعة. المرأة الثالثة هي راحابالتي كانت مومساً في أريحا، وقد اتخذها سلمون زوجة وولد منها بوعَز. لكنّها تميّزتْ بحبّها وتكريمها لشعب الله، أكثر من شعبها، تزوّجها سلمون عندما اكتشفَ أنّها آمنتْ واهتدتْ إلى الخير ونالت حظوةً عند الله الذي دعاها من أريحا إلى شعبه. إنّ هناك شبهًا كبيرًا بين أعمال راحاب وأعمال الكنيسة. فاعتُبرت رمزاً لها.