التنشئة المسيحية لغبطة البطريرك مار بشاره بطرس الراعي الأحد الثالث من زمن الصليب
2 تشرين الأول ٢٠١٦
لمحة على النهايات (متى 24: 23-31)
إنجيل اليوم في الأحد الثالث من زمن الصليب، زمن النهايات، يتكلم عن ثلاثة مسحاء كذبة ونهاية الازمنة، ومجيء المسيح الثاني بالمجد.
في هذا الأحد الاوّل من تشرين الأوّل تحتفل الكنيسة بعيد الوردية المقدّسة. وقد خصّص الشهر لتكريم السيدة العذراء بتلاوة مسبحتها.
شرح نصّ الانجيل
من إنجيل القديس يوحنا متى 24: 23-31
قالَ الربُّ يَسوع: “إِنْ قَالَ لَكُم أَحَد: هُوَذَا المَسِيحُ هُنَا أَوْ هُنَاك! فَلا تُصَدِّقُوا. فَسَوْفَ يَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وأَنْبِيَاءُ كَذَبَة، ويَأْتُونَ بِآيَاتٍ عَظِيمَةٍ وخَوارِق، لِيُضِلُّوا المُخْتَارِينَ أَنْفُسَهُم، لَو قَدِرُوا. هَا إِنِّي قَدْ أَنْبَأْتُكُم! فَإِنْ قَالُوا لَكُم: هَا هُوَ في البَرِّيَّة! فلا تَخْرُجُوا، أَو: هَا هُوَ في دَاخِلِ البَيْت! فَلا تُصَدِّقُوا. فكَمَا أَنَّ البَرْقَ يُومِضُ مِنَ المَشَارِق، ويَسْطَعُ حَتَّى المَغَارِب، هكَذَا يَكُونُ مَجِيءُ ٱبْنِ الإِنْسَان. حَيْثُ تَكُونُ الجُثَّةُ هُنَاكَ تَجْتَمِعُ النُّسُور. وحَالاً بَعْدَ ضِيقِ تِلْكَ الأَيَّام، أَلشَّمْسُ تُظْلِم، والقَمَرُ لا يُعْطِي ضَوءَهُ، والنُّجُومُ تَتَسَاقَطُ مِنَ السَّمَاء، وقُوَّاتُ السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَع. وحينَئِذٍ تَظْهَرُ في السَّمَاءِ عَلامَةُ ٱبْنِ الإِنْسَان، فَتَنْتَحِبُ قَبَائِلُ الأَرْضِ كُلُّها، وتَرَى ٱبْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا على سُحُبِ السَّمَاءِ بِقُدْرَةٍ ومَجْدٍ عَظِيم. ويُرْسِلُ مَلائِكَتَهُ يَنْفُخُونَ في بُوقٍ عَظِيم، فيَجْمَعُونَ مُخْتَارِيهِ مِنَ الرِّيَاحِ الأَرْبَع، مِنْ أَقَاصي السَّمَاوَاتِ إِلى أَقَاصِيهَا”.
1. النصّ الإنجيلي يواصل خطاب الربّ يسوع عن النهايات، وهو الجواب على سؤال التلاميذ، في بستان الزيتون، عن تاريخ خراب هيكل أورشليم وعلامة مجيئه ونهاية العالم (راجع متى 24: 3).
2. فيتكلّم أوّلًا في هذا النصّ عن “المسحاء الكذبة” الذين يضلّلون المؤمنين، ويزعزعون إيمانهم. فنبّههم وينبّهنا عن هذا الأمر الخطير. “المسحاء الكذبة” هم الأشخاص الذين يأسرون بطريقة أو بأخرى إرادة الناس وحريتهم وقدرة التمييز عندهم بين الخير والشر، بين الحقّ والباطل، بين ما يبني وما يهدم، بين العدل والظلم. فيفقدون هكذا الشريعة الأخلاقيّة. إنّنا نشهد اليوم عندنا نوعًا من الإقطاعيّة السياسيّة التي تُبعد الناس عن الممارسة الدينيّة والالتزام بتعليم الإنجيل والكنيسة.
و”المسحاء الكذّابون أو الدجّالون” هم الحركات السّرية الماسونيّة التي تضلّل ضمائر المؤمنين بتعليم مناهض لتعليم الكنيسة، لقاء بعض الخدمات الاجتماعية أو مساعدة مالية صغيرة. هذه الحركات السّرية تظهر بزيّ الدِّين. وهم أيضًا الإيديولوجيات التي تنشر تعليمًا منافيًا لِما تعلّم الكنيسة. فيقول لنا الربّ يسوع: “لا تصدِّقوهم” (الآية 26).
3. ثمّ يتكلّم عن علامات نهاية الازمنة: “الشَّمس تظلم، والقمر لا يعطي ضوءه، والنجوم تتساقط من السماء، وقوّات السماوات تتزعزع” (متى 24: 29). هذا يعني أنّ كلّ موجودات الأرض والكون المخلوقة تنتهي وتعود إلى العدم، بينما الإنسان المخلوق على صورة الله، وقد خلقه ذا نفس خالدة، لكي يكون وريث الملكوت السماوي، والمشارك في المجد الإلهي، فلا يعود إلى العدم. ينبغي عليه أن يستعدّ طيلة مسيرته على وجه الدنيا، لكي يستحقّ هذا الخلاص والإرث والشركة. وإلا كان حظّه الهلاك الأبدي إذا سقط ضحيّة “المسحاء الكذبة”، وإذا رفض هو نداء المسيح الخلاصي، الذي أوكله الربّ إلى الكنيسة لإيصاله إلى جميع الناس، وسلّمها لهذه الغاية كل وسائل الخلاص: الكلمة الإلهية والتعليم، ذبيحة الفداء وأسرار الخلاص، وشريعة المحبة والغفران.
4. وأخيرًا يتكلّم عن مجيئه الثاني المجيد. إنّه يؤكّده ولا يعلن تاريخه. ذلك أنّه “مفاجئ مثل البرق” (الآية 27). هذا الكلام ينطبق على ساعة موت كلّ إنسان، الذي يعني مجيء الربّ، لا ليُميت بل ليحيي، وليساعد الإنسان في ساعته الأخيرة الصعبة. ما يقتضي الاستعداد كلّ يوم لهذا الحدث المجهول يومه وساعته وطريقته. لأنّ فيه يتقرّر المصير النهائي لكلّ شخص: إمّا الخلاص الأبدي، وإمّا الهلاك الأبدي.
لكنّ كلام الربّ في الأساس يتناول مجيئه الثاني بالمجد، فيظهر بوجه “إبن الإنسان”، لأنّ طبيعته البشريّة الممجَّدة بالقيامة لا تنفصل عن ألوهيّته؛ ولأنّ يسوع “ابن الإنسان” الذي تجسّد ودلّنا إلى طريق الحياة وافتدانا بموته على الصليب وأحيانا بروحه القدّوس، هو إيّاه سوف يأتي ديّانًا في نهاية الأزمنة. حيال هذا الواقع “تنوح قبائل الأرض كلّها، وترى ابن الإنسان آتيًا على سحب السماء بقوّة ومجد عظيمَين” (الآية 30).
هذا المشهد نفسه يتمّ عند موت كلّ واحد وواحدة منّا. فالدينونة تخيف، ولا سيّما بالنسبة للّذين اعتمدوا طريق الشّر والخطيئة ولم يتوبوا عنها توبة كاملة في حياتهم. يقول كتاب الاقتداء بالمسيح: “تذكَّر عواقبك يا إنسان، فلا تخطأ أبدًا”.
* * *
ثانيًا، المسبحة الوردية
1. ترقى إلى بداية القرن الثالث عشر، عندما ظهرت السيّدة السيدة العذراء سنة 1213 للقدّيس دومينيك (1170-1221)، وبيدها مسبحة مع أيقونة، وسلّمته إيّاها ليصلّيها ويستمدّ منها قوّته في الإيمان والرجاء والمحبة، ولكي يصلّيها المؤمنون. فنسّق مع أحد أبناء الرهبانية، التي أسّسها ومعروفة برهبانية الآباء الواعظين، أسرارها الثلاثة: الفرح والحزن والمجد. وأضاف عليها القدّيس البابا يوحنا بولس الثاني سرًّا رابعًا هو سرّ النور.
2. لكن المسبحة الوردية بأسرارها الثلاثة الأساسيّة كانت بعدد 150 “سلام” متوازية مع عدد المزامير 150. وجرت العادة، منذ القرن الرابع، أنّ الذين لا يعرفون القراءة، استبدلوها بتلاوة 150 مرّة “السلام الملائكي”، مقسّمة عشرة عشرة وفي بداية كلّ عشرة تُتلى مرّة واحدة صلاة “الأبانا”. وهكذا مع القدّيس دومينيك قُسم العدد 150 إلى ثلاثة مع أسرار الفرح والحزن والمجد، بحيث يضمّ كلّ سرّ خمسة أبيات وكلّ بيت من الأسرار الثلاثة، خمس مرّات “الأبانا”، وخمسون مرّة “السلام الملائكي”.
3. تُسمّى “مسبحة” من فعل “سبّح تسبيحًا”، وهي لتسبيح الله الواحد والثالوث على تحقيق تصميمه الخلاصي الذي نتأمّله في أسرار الوردية، ولمريم العذراء الكلّية القداسة التي شاركت في هذا التحقيق بإيمانها وطاعتها، برجائها وحبّها. وتُسمّى “ورديّة” لأنّ كلّ حبّة “السلام لكِ يا مريم” هي بمثابة قمر ورد حبّ نقدّمه لأمّنا السماوية.
4. مسبحة الورديّة هي سلاح المؤمنين بها يقوون على كلّ قوى الشّر. وقد أوصت بها العذراء مريم في ظهوراتها ولا سيّما في لورد وفاتيما، كوسيلة لإنهاء الحروب وارتداد الخطأة إلى التوبة. وهي بمثابة جواز السفر يوضع بين أيدينا عند موتنا.
صلاة
أيّها الربّ يسوع، أنت سيّد العالم والأزمنة، وقد افتديتها بموتك وأحييتها بقيامتك، وتدعونا لأن نتقدّس فيها ونقّدسها، منتصرين بقوّة صليبك على ما فيها من مصاعب ومحن واضطهادات.
إنّنا نلتمس نعمتك القديرة لكي نميّز صوتك وصوت الكنيسة عن صوت المسحاء الكذبة، ولكي نحافظ بوعينا على وديعة الإيمان، وننقلها إلى كلّ بيئة نعيش فيها. ويا مريم، ساعدينا بقوّة وهداية ورديّتك أن ننفتح لتصميم الله الخلاصي، ونسهم في تحقيقه ونشر ملكوت المسيح في عالمنا. فنرفع في كلّ حين نشيد المجد والتسبيح للثالوث القدّوس، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.