التنشئة المسيحية لغبطة أبينا البطريرك مار بشاره بطرس الراعي
أحد نسب يسوع 18 كانون أول ٢٠١٦ (متى 1: 1-17)
كلّ شخص بشري حلقةٌ في سلسلة تاريخ الخلاص
في هذا الأحد السابق للميلاد، تقرأ علينا الكنيسة سلسلة نسب الربّ يسوع المسيح إلى العائلة البشريّة. هي توالي الأجيال التي هيّأت لمجيئه، وبلغت ذروتها وغايتها بميلاد المخلّص والفادي. إنّه “ملء الزمن”، على ما يقول بولس الرسول (غلا4:4). وبالنسبة إلينا، مع نهاية زمن المجيء الليتورجي، هو بلوغ الاستعداد التامّ لاستقبال المخلّص الإلهي، بروح التوبة والمقاصد الصالحة التي تهيّئ قلوبنا ليولد فينا، لا في مغارة رمزية.
أوّلاً، شرح إنجيل نسب يسوع
من إنجيل القديس متى 1: 1-17
قالَ متَّى الرَسُول: «كِتَابُ ميلادِ يَسُوعَ المَسيح، إِبنِ دَاوُد، إِبْنِ إبْرَاهِيم: إِبْرَاهِيمُ وَلَدَ إِسْحق، إِسْحقُ وَلَدَ يَعْقُوب، يَعْقُوبُ وَلَدَ يَهُوذَا وإِخْوَتَهُ، يَهُوذَا وَلَدَ فَارَصَ وزَارَحَ مِنْ تَامَار، فَارَصُ وَلَدَ حَصْرُون، حَصْرُونُ وَلَدَ آرَام، آرَامُ وَلَدَ عَمِينَادَاب، عَمِينَادَابُ وَلَدَ نَحْشُون، نَحْشُونُ وَلَدَ سَلْمُون، سَلْمُونُ وَلَدَ بُوعَزَ مِنْ رَاحَاب، بُوعَزُ وَلَدَ عُوبِيدَ مِنْ رَاعُوت، عُوبِيدُ وَلَدَ يَسَّى، يَسَّى وَلَدَ دَاوُدَ المَلِك.
دَاوُدُ وَلَدَ سُلَيْمَانَ مِنِ امْرَأَةِ أُوْرِيَّا، سُلَيْمَانُ وَلَدَ رَحَبْعَام، رَحَبْعَامُ وَلَدَ أَبِيَّا، أَبِيَّا وَلَدَ آسَا، آسَا وَلَدَ يُوشَافَاط، يُوشَافَاطُ وَلَدَ يُورَام، يُورَامُ وَلَدَ عُوزِيَّا، عُوزِيَّا وَلَدَ يُوتَام، يُوتَامُ وَلَدَ آحَاز، آحَازُ وَلَدَ حِزْقِيَّا، حِزْقِيَّا وَلَدَ مَنَسَّى، مَنَسَّى وَلَدَ آمُون، آمُونُ وَلَدَ يُوشِيَّا، يُوشِيَّا وَلَدَ يُوكَنِيَّا وإِخْوَتَهُ، وكانَ السَبْيُ إِلى بَابِل.
بَعْدَ السَبْيِ إِلى بَابِل، يُوكَنِيَّا وَلَدَ شَأَلْتِيئيل، شأَلْتِيئيلُ وَلَدَ زُرُبَّابِل، زُرُبَّابِلُ وَلَدَ أَبِيهُود، أَبيهُودُ وَلَدَ إِليَاقِيم، إِليَاقِيمُ وَلَدَ عَازُور، عَازُورُ وَلَدَ صَادُوق، صَادُوقُ وَلَدَ آخِيم، آخِيمُ وَلَدَ إِلِيهُود، إِلِيهُودُ وَلَدَ إِلِيعَازَر، إِلِيعَازَرُ وَلَدَ مَتَّان، مَتَّانُ وَلَدَ يَعْقُوب، يَعْقُوبُ وَلَدَ يُوسُفَ رَجُلَ مَرْيَم، الَّتي مِنْهَا وُلِدَ يَسُوع، وهُوَ الَّذي يُدْعَى المَسيح.
فَجَميعُ الأَجْيَالِ مِنْ إِبْرَاهيمَ إِلى دَاوُدَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلاً، ومِنْ دَاوُدَ إِلى سَبْيِ بَابِلَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلاً، ومِنْ سَبْيِ بَابِلَ إِلى المَسيحِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلاً.
1. “كتاب ميلاد يسوع المسيح” (الآية 1): يربط متى الإنجيلي ما بين الإنجيل وسفر التكوين حيث نقرأ: “كتاب مواليد آدم” (تك5: 1)، ليبيّن أنّ من آدم وُلد أبناء للخطيئة والموت، بينما من المسيح، آدم الجديد، يولد أبناء للنعمة والحياة. فالمسيح يأتي ليجدّد خليقة بني آدم التي شوّهتها الخطيئة، فيغسلها بدمه على الصليب، مفتديًا كلّ البشر، حتى الأجيال التي سبقته. ونحن في صلاة تقدمة القرابين في القداس نجدّد هذا الربط، إذ نصلّي مقدّمين قدّاسنا من أجل جميع البشر “من آدم حتى اليوم”.
منذ الخطيئة الأولى وعَدَ الله حواء أمّ البشرية بالخلاص والانتصار على الشيطان الذي أغواها، فوقعت في الخطيئة مع زوجها آدم. ومذ ذاك الحين بدأت، من جيل إلى جيل، مسيرة التهيئة لمجيء المخلِّص آدم الثاني، الذي سيسحق رأس الحيَّة – الشيطان، “في ملء الزمن”.
2. ليست هذه السلسلة من الأسماء حصرية، بل انتقى متى بعض الأسماء للتأمّل في أدوارها ودلالاتها ورموزها. فالبعض من هذه الشخصيّات تلمّس طريق الإيمان للخروج من دائرة الخطيئة، وساهم إيجابيًّا في إعداد مجيء المخلّص. وكان آخرهم يوحنا المعمدان الذي أعدّ طريق الربّ إلى النفوس. البعض الآخر بقي أسيرَ الخطيئة، وهو يستصرخ الله منذ بداية الزمن للإنقاذ. وهكذا يأتي المسيح استجابةً لآهات الشعوب المثقلة بجراح الخطيئة، على ما كتب آشعيا النبي: “الشعب السالك في الظلمة أبصر نورًا عظيمًا” (اش8: 23؛ 9: 1؛ متى 4: 16).
لكلّ هذه الأسماء من العهد القديم علاقة وثيقة مع أحداث العهد الجديد. ما يعني أنّ الجديد جاء ليكمّل القديم، فهو يختبئ فيه. والقديم نفهمه وتنجلي مضامينه من خلال الجديد.
3. يسوع المسيح ابن داود (الآية1) بالمعنى المسيحاني، وليس فقط بمعنى السلالة البشريّة. فداود هو أوّل من سُمِّي “مسيح الربّ”، اي المختار من الله، المكرَّس بالمسحة، مسحة الزيت المقدّس ومسحة الروح القدس لتكوين شعب الله في مملكته. عندما تهدّمت مملكة داود أثناء الجلاء إلى بابل، وَعَد الربّ، على لسان الأنبياء، “بمسيح آخر نهائي يرسي مملكة تدوم إلى الأبد. فكان الملكَ الجديد المسيحُ ابن الله الذي أخذ جسدًا من مريم العذراء بقوّة الروح القدس. وكانت الكنيسة المملكة التي لا تنقضي بل تكتمل في مجد السماء، عند نهية الأزمنة. إلى هذه المملكة نحن ننتمي بالمعمودية، وفي ملوكيّة المسيح نحن شركاء بمسحة الميرون.
4. يسوع المسيح ابن ابراهيم (الآية1). يوجد شبهٌ بين ابراهيم والمسيح: فابراهيم هو أبو المؤمنين، المخلص والأمين لله. المسيح هو محطّ إيمان البشر، وفيه تتمّ كلّ الوعود الإلهيّة، وهو “الأمين بامتياز”. ابراهيم رجل الثقة بالله الذي “ترك أرضه وعشيرته وبيت أبيه” (تك12: 1)، تلبية لدعوة الله التي كان يجهل مآلها. يسوع “أخلى ذاته، ولم يحسب ألوهيّته غنيمة. بل صار مثل البشر وأخذ صورة خادم، وأطاع حتى الموت، موت الصليب” (فيل2: 5-8).
ابراهيم يعلّمنا المغامرة مع الله، والسَّير معه برجاء في غموض سرِّه الذي ينجلي لنا حتمًا ساعة يريد. ليس هذا بالأمر السهل عندما تكتفنا ظلمات المرض والفقر والفشل والظلم. لقد علّمنا الربّ يسوع أن نصلّي كما صلّى هو في ذروة الحزن في بستان الزيتون: “لتكن مشيئتك، يا أبتِ، لا مشيئتي” (متى 26: 39).
5. يرتّب متى في إنجيله الأسماء في ثلاث مراحل، تتكوّن كلّ واحدة من أربعة عشر جيلًا.
المرحلة الأولى من ابراهيم إلى داود (متى 1: 2-6).
في هذه المرحلة من الأجيال، يوجد أسماء يجدر التوقّف عندها.
ابراهيم أبو المؤمنين. تكلّمنا عنه أعلاه.
اسحق ابن ابراهيم تميّز في صباه بالتسليم الكلّي لله والثقة به التي تفوق الموت. فقد ربطه أبوه على الحطبات ليقدّمه ذبيحة، حسبما أمره الربّ. فتقدّم اسحق بصمت ولم يفتح فاه. إنّه رمز المسيح الذي قدّم ذاته ذبيحة فداءٍ على الصليب. وقد تنبّأ عنه أشعيا: “كحَمَل سيق إلى الذبح ولم يفتح فاه، وكنعجة صامتة أمام الذين يجزّونها” (أش53: 7).
بهذه الروح يقدّم الشهداء دماءَهم، محافظين على إيمانهم، غير خائفين من الموت، وأعينُهم شاخصة إلى المسيح القائم من بين الأموات منتصرًا. هكذا نحن مدعوّون لنواجه كلّ تعدٍّ واضطهاد. فإن “دمَ الشهداء بذارُ المسيحيّين”.
يعقوب ابن اسحق، أخو عيسو. نال البركة من أبيه يعقوب. وهي بركة من الله. أما نحن فقد باركنا الله بكل هبة روحيّة، لكي نسير باستقامة أمامه. لقد ولَدَ يعقوب اثني عشر ولدًا، هم أسباط شعب الله الاثنَي عشر. هؤلاء حلّ محلّهم الاثنا عشر رسولًا، أعمدة الكنيسة، شعب الله الجديد.
نجد في هذه المرحلة الأولى أسماء ثلاث نساء كرمز النساء الخاطئات اللواتي افتداهنّ المسيح.
– تامار الأرملة التي احتالت على يهوذا ابن يعقوب، ووالد زوجها المتوفّي، لأنّه لم يزوّجها بابنه كما وَعَد. فلبست زيّ البغية وأنجبت منه فارص وزارح.
– راحاب المعروفة ببائعة الهوى في أريحا. هذه أنقذت جواسيس يشوع قبيل دخوله المدينة. ومنهم سلمون الذي ولد منها بوعز.
– راعوت امرأة موآبية وثنيّة أصرّت، بعد ترمّلها، على البقاء مع حماتها العجوز، كي تخدمها وتعتني بها. فكانت تلتقط السنابل المتساقطة من الحصّادين. فلكي تؤمّن لها حماتها زوجًا بدل ابنها، أرشدتها كيف تتسلّل ليلًا على البيدر في الحقل لتنام قرب بوعز بعد أن شرب الخمر. فولد منها عوبيد.
تنتهي المرحلة الأولى بولادة داود، ابن يسّى، المعروف بالملك المسيحاني، المتواضع والمطواع للروح القدس. أسّس المملكة التي ستتحوّل مع يسوع إلى كنيسة منتشرة في أربعة أقطار المعمورة. كتب سفر المزامير، وهي أجمل صلوات تُرفع إلى الله.
6. المرحلة الثانية من داود إلى جلاء بابل (متى1: 7-11).
داود الملك المسيحاني، رغم فضائله، سقط في الخطيئة إذ ولد سليمان من بتشابع زوجة أوريّا. نتعلّم أن الإنسان عرضة دائمًا للسقوط، على ما قال بولس الرسول: “ايّها الواقف إحذر ألّا تقع” (1كور10: 12). فكما جرّب الشيطان يسوع في البرية دون أن يقدر على إسقاطه في حبائله، هكذا يجرّب كلّ واحد وواحدة منّا لكي يُسقطه في الخطيئة ويبعده عن الله. إنّ خطيئة داود أفسدت بيته، إذ سقط ابنه سليمان في خطيئة أفظع. فبالرغم من حكمته المشهود لها، تزوّج من نساء عديدات وغريبات. ممّا سيسبّب انقسام ابنائه بعد موته سنة 933 ق.م.
مع رحبعام ابن سليمان، انقسمت المملكة بين مملكة الشمال ومملكة الجنوب. ومن جرّاء هذا الانقسام كانت العداوة بين اليهود والسامريّين حتى أيام المسيح. هذا يعني أن الخطيئة في البيت الواحد تنتقل من جيل إلى جيل، وتفسد المجتمع. وإذا لم ترافقها التوبة، تنتشر لتصبح هيكليّة خطيئة.
في الواقع أبيّا الملك ابن رحبعام كان شرّيرًا. أما يوشافاط، حفيد أبيّا، فكان ملكًا صالحًا ومتّقيًا للرب. فافتقد الله برحمته شعبه الذي انغمس في الخطيئة. هكذا، في الكنيسة يوجد خطأة، لكن الله يقيم فيها قدّيسين.
غير أن يورام ابن يوشافاط، فعاد إلى خطيئة أجداده. فقتل إخوته السبعة لكي يملك مكان أبيه. لذلك أنبأ عنه إيليّا النبيّ بقرب أجله، فمات بسبب مرض في أمعائه أذاقه مرّ العذاب (راجع 2أخ21: 12-19). الخطيئة تدمّر مرتكبها. ولا خلاص إلّا بالعودة إلى المسيح “الطريق والحقّ والحياة” (يو14: 6).
حزقيّا كان ملكًا صالحًا، بعكس أبيه آحاز الذي تحالف مع الوثنيّين في حروبه. ففضلُ حزقيّا أنّه أعاد عبادة الله إلى الشعب، وأقام فصحًا عظيمًا دعا إليه كلّ الأسباط المتخاصمين والمنقسمين. وحطّم الحيّة النحاسيّة التي صنعها موسى، لأنّها أصبحت صنمًا يعبده الشعب بدل الله.
منسّى ابن حزقيّا عاد إلى الوثنيّة والابتعاد عن الله (2مل21). ولكنّه تاب عندما أسره الأشوريّون. ولكن بسبب ضلاله الأوّل سمَّى ابنه آمون، وهو اسم وثني. ولذلك استمرّ آمون في الوثنيّة والضلال. لكنّه حَكَم لمدّة سنتَين فقط، إذ قتله عبيده بغتة في قصره، وملّكوا مكانه ابنه يوشيّا، وكان عمره ثماني سنوات. غير أنّه من أفضل ملوك الشعب القديم. فسار بمخافة الله وبموجب الشريعة. رمّم الهيكل الذي كان مهملًا من الشعب. وهو جَمَع الشريعة الشفهيّة في كتاب هو سفر “تثنية الاشتراع” (راجع 2مل20-22). ومن بعد أن ولد يوكنيا وإخوته، صار الجلاء إلى بابل.
7. المرحلة الثالثة من بعد الجلاء إلى بابل حتى المسيح (متى 1: 12-16).
كان الجلاء محطّة أليمة في تاريخ شعب الله القديم. وقد هزّ كلّ أسسه الوطنية واللّاهوتية. واعتبر الشعب أن الله تخلّى عنه وعن الهيكل وسمح بدماره وحرقه. وفكّروا في قرارة نفوسهم أنّ الله مات.
هذه المحنة يعيشها شعبنا اليوم في بلدان الشَّرق الأوسط، من جرّاء الحروب المفروضة قسرًا والهدّامة للحجر والبشر والحضارات. لكن ميلاد “يسوع” الذي يخلّص شعبه من خطاياهم، “وعمّانوئيل”، الله معنا، يخبرنا أنّ الله لم ولن يتخلَّ عنّا، وأنّ الظلم والقتل والدمار لا يأتي من الله، بل من الشرير والأشرار. إن المسيح لا يتركنا لوحدنا، بل يشاركنا في عمق معاناتنا. ولهذا السبب وُلد في مغارة الفقر والحرمان محاطًا بحقد هيرودس ومحاولة قتله.
الجلاء عن أرض الوطن يرمز إلى الجلاء عن الله وعن الكنيسة. وهذا لا يدوم إلى ما لا نهاية. لقد تجسّد الإله ليخرجنا من “جلائنا” عن الله وعن الكنيسة. أتى ليسكن معنا وبيننا وفينا.
مع زُربابل أعيد المسبيّون إلى أورشليم. هو الله يستخدم دائمًا أشخاصًا منّا ليتمّم خلاصه بواسطتهم. أبطال العهد القديم أُطلق عليهم لقب “مخلّص”. لكن اكتمال الخلاص بيسوع المسيح جعله المخلّص الإلهي بامتياز.
تنتهي المرحلة الثالثة مع يعقوب الذي وَلَد يوسف رجل مريم التي وُلد منها يسوع، وهو الذي يُدعى المسيح (متى1: 16). بقول متى أنّ يسوع وُلد من مريم، يريد الإنجيلي التشديد على أن المسيح هو ابن الله، وأن يوسف رجل مريم هو أبوه في الشريعة، بكلّ مفاعيل هذه الأبوّة.
8. الرقم 14 هو مجموع سبعتَين (7+7). عدد سبعة يرمز إلى الكمال. أمّا عدد ستة في السبعات – السبعتان تتكرران في المراحل الثلاث – فهو علاقة تكرار الكمالات التي يحتويها العهد القديم كمرحلة إعدادية لمجيء المخلّص الإلهي، وهو علامة أن الله يجدّد عهده مع شعبه في كلّ مرّة سقط في خطيئة الابتعاد عنه، ويقول: “عهدًا جديدًا أقيم معكم” (إرميا31: 31).
وفي الوقت عينه عدد 6 بالنسبة إلى 7 هو علامة النقص. ما يعني أنّ العهد القديم ناقص، فيأتي المسيح ليكمّله: “ما جئتُ لأنقض بل لأكمّل” (متى 5: 17). المسيح هو الكمال كلّه، ويختصر في نفسه كلّ المشروع الخلاصي.
تعلّمنا المراحل الاستعداديّة الثلاث الانتظار والصبر برجاء، فيما الله يعمل وفق تدبيره، وليس غائبًا. ورأينا كيف أرسل ملوكًا خفّفوا عن الشعب الظلم والمعاناة. هذه السلسلة المتكاملة من الأجيال حتى ملء الزمن، من دون إمكانيّة إسقاط أيّة حلقة منها، تدلّ على أن الكتاب المقدّس بعهدَيه القديم والجديد، وحدة لا تتجزّأ، ولا يمكن إهمال أيّ جزء منه. فكلّ صفحة من الكتاب المقدّس ضرورية في بناء أيقونة الخلاص التي رسمها الربّ الإله منذ فجر التاريخ حتى اكتماله النهيوي.
* * *
صلاة
أيُّها الربّ يسوع، لقد انتظرتك الأجيالُ منذ عهد آدم، بترتيب إلهي هيّأ ميلادك في ملء الزمن. إجعلْ من زمن المجيء الذي بلغنا إلى خاتمته، زمن استعداد روحي لاستقبالك في قلوبنا وعائلاتنا ومجتمعنا والوطن. فنولد كلُّنا، في ذكرى ميلادك، ولادةً جديدة، عبر سرّ التوبة وبنعمة وليمة جسدك ودمك السرّية. ليلةَ ميلادك تمّ مجدُ الله في السماء، وانتشر على الأرض السلام، وزُرِع الرجاء في قلب كلّ إنسان. امنحْنا النعمة لكي نمجّد الله ببناء السلام وتوطيد الرجاء. فنُنشد مع الملائكة: “المجد لله في العلى، وعلى الأرض والسلام، والرجاء الصالح لبني البشر”، مسبِّحين الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.
* * *