التنشئة المسيحية لغبطة أبينا البطريرك مار بشاره بطرس الراعي أحد الأبرار والصديقين 12 شباط 2017

التنشئة المسيحية لغبطة أبينا البطريرك مار بشاره بطرس الراعي

أحد الأبرار والصديقين 12 شباط 2017 (متى 25: 31-46)

الأبرار والصدّيقون شهود لمحبة المسيح

نحن في الأحد الثاني من أسابيع التذكارات. في الأحد الماضي تذكَّرنا وصلَّينا من أجل الكهنة المتوفّين، وصلّينا ايضًا من أجل الكهنة الأحياء، ومن أجل الدعوات الكهنوتيّة والرهبانيّة. في هذا الأحد نذكر الأبرار والصدّيقين الذين شهدوا لمحبة المسيح ولإيمانهم المسيحي وينعمون مع جميع القدّيسين في المشاهدة السعيدة، ويشفعون بنا لدى الله. إنّهم ينتمون إلى الكنيسة الممجَّدة في السماء، فنستشفعهم من أجلنا نحن في كنيسة الأرض المجاهدة، ومن أجل موتانا أبناء الكنيسة المتألِّمة في المطهر.

من هم الأبرار والصدّيقون في ضوء إنجيل اليوم؟

أوّلًا، من إنجيل القديس متى 25: 31-46

قالَ الربُّ يَسوع: “مَتَى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ في مَجْدِهِ، وجَمِيعُ المَلائِكَةِ مَعَهُ، يَجْلِسُ على عَرْشِ مَجْدِهِ. وتُجْمَعُ لَدَيْهِ جَمِيعُ الأُمَم، فَيُمَيِّزُ بَعْضَهُم مِنْ بَعْض، كَمَا يُمَيِّزُ الرَّاعِي الخِرَافَ مِنَ الجِدَاء ويُقِيمُ الخِرَافَ عَنْ يَمِينِهِ وَالجِدَاءَ عَنْ شِمَالِهِ. حِينَئِذٍ يَقُولُ المَلِكُ لِلَّذينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوا، يَا مُبَارَكي أَبي، رِثُوا المَلَكُوتَ المُعَدَّ لَكُم مُنْذُ إِنْشَاءِ العَالَم؛ لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي، وعَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي، وكُنْتُ غَريبًا فَآوَيْتُمُوني، وعُرْيَانًا فَكَسَوْتُمُوني، ومَريضًا فَزُرْتُمُونِي، ومَحْبُوسًا فَأَتَيْتُم إِليّ. حِينَئِذٍ يُجِيبُهُ الأَبْرَارُ قَائِلين: يَا رَبّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا فَأَطْعَمْنَاك، أَو عَطْشَانَ فَسَقَيْنَاك؟ ومَتَى رَأَيْنَاكَ غَريبًا فَآوَيْنَاك، أَو عُرْيَانًا فَكَسَوْنَاك؟ ومَتَى رَأَيْنَاكَ مَريضًا أَو مَحْبُوسًا فَأَتَيْنَا إِلَيْك؟ فَيُجِيبُ المَلِكُ ويَقُولُ لَهُم: أَلحَقَّ أَقُولُ لَكُم: كُلُّ مَا عَمِلْتُمُوهُ لأَحَدِ إِخْوَتِي هؤُلاءِ الصِّغَار، فَلِي عَمِلْتُمُوه! ثُمَّ يَقُولُ لِلَّذينَ عَنْ شِمَالِهِ: إِذْهَبُوا عَنِّي، يَا مَلاعِين، إِلى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ المُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وجُنُودِهِ؛ لأَنِّي جُعْتُ فَمَا أَطْعَمْتُمُونِي، وعَطِشْتُ فَمَا سَقَيْتُمُوني، وكُنْتُ غَريبًا فَمَا آوَيْتُمُونِي، وعُرْيَانًا فَمَا كَسَوْتُمُونِي، ومَرِيضًا ومَحْبُوسًا فَمَا زُرْتُمُونِي! حِينَئِذٍ يُجِيبُهُ هؤُلاءِ أَيْضًا قَائِلين: يَا رَبّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جاَئِعًا أَوْ عَطْشَانَ أَوْ غَرِيبًا أَو مَريضًا أَو مَحْبُوسًا ومَا خَدَمْنَاك؟ حِينَئِذٍ يُجِيبُهُم قِائِلاً: أَلحَقَّ أَقُولُ لَكُم: كُلُّ مَا لَمْ تَعْمَلُوهُ لأَحَدِ هؤُلاءِ الصِّغَار، فلِي لَمْ تَعْمَلُوه. ويَذْهَبُ هؤُلاءِ إِلى العَذَابِ الأَبَدِيّ، والأَبْرَارُ إِلى الحَيَاةِ الأَبَدِيَّة”.

1. الأبرار والصدّيقون هم الذين عاشوا محبة المسيح تجاه ايّ إنسان في حاجة، أكانت مادّية أم روحيّة أم ثقافية أم معنوية. حصر الربّ يسوع هذه الحاجات المتنوّعة بستّ: الجوع والعطش والعري والغربة والمرض والسجن. وتماهى الربّ مع كلّ إنسان في حاجة، فمَن ساعده ساعد المسيح نفسه: “كلّما فعلتُم ذلك مع أحد إخوتي هؤلاء الصغار، فلي فعلتموه” (الآية40).

2. لا أحد منّا إلّا ويكون في حاجة ما: مادّية أو روحيّة أو معنويّة أو ثقافيّة. الجائع بحاجة إلى خبز وطعام؛ وأيضًا إلى علم وثقافة وعناية طبّية وحقوق أساسيّة وتوجيه نحو حياة أفضل. العطشان بحاجة إلى ماء ليشرب ويسقي مزروعاته ومواشيه، ويلبّي حاجات بيته. لكنّه يعطش ايضًا إلى عدالة وكرامة وقيم ترفعه إلى فوق. العريان يحتاج إلى لباس له ولعائلته، وإلى أثاث لبيته يقيه شدّة الحرّ والبرد، الشمس والمطر. لكنّه يحتاج أيضًا إلى مَن يستر عيوبه وخطاياه، ويحمي صيته الحسن بين الناس، ويُخرجه من حالة الجهل والأمّية.

الغريب هو الذي يعيش خارج بيته وبيئته ووطنه، وكأنّه مقتلع من جذوره وتاريخه وثقافته. لكن الغريب أيضًا هو الذي يشعر بالغربة بين أهل بيته ومجتمعه، عندما لا يفهمونه في قلقه وأفكاره وتطلّعاته. وهو غريب عندما لا يعرف كيف يبني علاقة بنويّة مع الله، قائمة على الإيمان والرجاء والمحبة. وعندما لا يُحسب له حساب في بيئته ووطنه. المريض هو الذي يعاني من حالة مرض في جسده أو أعصابه أو عقله. وهو أيضًا المريض روحيًّا الغارق في خطاياه وعاداته السيّئة. كذلك مريض كلّ متكبّر وأناني وبخيل ونمّام ومراقب الناس. أيضًا مريض هو المدمن على السّكر والمخدّرات ولعب القمار. السجين هو المأسور وراء القضبان الحديدية. لكن السجين أيضًا هو مَن كان أسير عاداته الرديئة، او أسيرًا لأشخاص أو لإيديولوجيات هدّامة أو لتنظيمات إرهابيّة. أسير هو ايضًا مَن يعتاد على السرقة والرشوة ونهب المال العام.

3. الأبرار والصدّيقون هم الذين ساعدوا هؤلاء في الحاجة التي يعانون منها. نحن لا نذكر في هذا الأحد فقط القدّيسين الكبار الذين رفعتهم الكنيسة على مذابحها، بل نذكر الأشخاص الذين عاشوا بأمانة المحبة التي سيديننا المسيح عليها في مساء الحياة، كما يؤكّد إنجيل اليوم.

فنذكر اليوم: الأمّ التي تفني عمرها في تربية أولادها والسهر عليهم؛ والأب الذي يضحّي بصحّته ليُحضر القوت والعيش الكريم لأولاده؛ والطبيب الذي يهتمّ بتخفيف آلام الناس، أكثر من اهتمامه بالمال؛ والمهندس الذي يفرح لأنّه أمّن للعائلات الجديدة مسكنًا لائقًا، ليعيش فيه أفرادها حياة زوجيّة وعائليّة مكتفية؛ والفلاّح الذي يعتني بالزرع حتّى يأكل الناس ثمرًا طيّبًا يقيتهم ويقويّهم على الحياة وأداء الواجب؛ والسياسيّ الذي يسعى إلى تأمين مصلحة الشعب وخير البلاد.

4. البعض من الناس يعيشون في حالة إحباط، ويتساءلون: “ليش أنا عايش، شو فيها هالحياة؟ ما عندي هدف”! جوابنا هو أنّ الحياة هي الهدف. هي هدف بحدّ ذاتها، هي قيمة ثمينة يجب أن لا نضيّعها. ليس الهدف أن تصنع المعجزات. حسن جدًّا إذا تمكّنت من ذلك وعملت لأجله. ولكن أيضًا يجب أن تكون دعوتك من الله، بحيث يفعل من خلالك أمورًا استثنائيّة. أما الدعوة الأساسيّة لكلّ إنسان فهي “الحياة” أي أن يحيا بسعادة، سواء في الكنيسة أم في العائلة أم في المجتمع أم في الوطن.

5. يعلّمنا هذا الأحد أنّ القداسة هي فعلاً “مشروع كلّ إنسان منّا”. فالقداسة عاشها أهلنا وأقرباؤنا وأحبّاؤنا، من خلال التزامهم الصادق بحياتهم المسيحيّة، وواجباتهم اليوميّة، بكلّ أمانة. ونحن أيضًا، على مثالهم، مدعوّون إلى تثمير وزناتنا، من خلال تلبية نداء الربّ لنا كلّ يوم: أن نذهب إلى عملنا بإيجابيّة، ونخدم الناس ببسمة، وأن نعود إلى العائلة حيث نعيش السعادة والفرح، ونربّي أولادنا التربية المسيحيّة الصالحة، ونجتمع معهم للصلاة قبل الطعام والنوم وفي القدّاس يوم الأحد.

ثانيًا، سنة الشهادة والشهداء

نبدأ مع عيد أبينا القديس مارون 9 شباط سنة الشهادة والشهداء، في كنيستنا المارونية، وتنتهي في عيد ابينا القديس يوحنا مارون البطريرك الأوّل 2 أذار 2018. وقد وجّهتُ رسالة راعوية بشأنها. ننقل منها تباعًا مقاطع تساعد المشاهدين والمستمعين على عيش هذه السنة بكلّ مفاهيمها، ومواكبة مسيرتها. فنبدأ بالمقدّمة:

قرّر مجمع كنيستنا المقدَّس المنعقد بين 10 و18 حزيران 2015 إعلان سنة 2017 “سنة الشهادة والشهداء في الكنيسة المارونيّة”. وقرَّرنا مع مجلس السَّادة المطارنة، في اجتماع الأربعاء 4 كانون الثاني الماضي، أن تبدأ سنة الشهادة والشهداء في عيد أبينا القدِّيس مارون في 9 شباط 2017، وتُختم في عيد أبينا البطريرك الأوّل القدِّيس يوحنا مارون في 2 أذار 2018.

تهدف هذه “السنة” أوّلًا إلى الاحتفال بشهدائنا المعروفين، لا سيَّما رهبان مار مارون الثلاثماية والخمسين الذين مرّ على استشهادهم ألف وخمسماية سنة (517-2017)، وتعيِّد لهم كنيستنا في 31 تموز، والبطريرك دانيال الحدشيتي الذي استشهد منذ سبعماية وأربع وثلاثين سنة (1283-2017)، والبطريرك جبرائيل حجولا الذي مرَّ على استشهاده ستماية وخمسون سنة (1367- 2017)، والطوباويِّين الشهداء الإخوة المسابكيِّين الذين استشهدوا مع عدد كبير من الموارنة سنة 1860 وتعيّد لهم كنيستنا في 10 تموز.

وتهدف ثانيًا إلى وضع لائحة بأسماء أبناء كنيستنا وبناتها الذين أراقوا دماءهم في سبيل إيمانهم بالمسيح، رأس الشهداء، وهم غير معروفين ويعود استشهادهم إلى حقبات مختلفة من التاريخ عرفت فيها كنيستنا أشدّ الاضطهادات، من مثل أيام حكم المماليك والعثمانيين، وأحداث 1840 و1860، ومجاعة الحرب العالميّة الأولى، والحرب اللبنانيّة الأخيرة.

صلاة

أيّها الربّ يسوع، لقد تماهيتَ مع الجائع والعطشان والعريان والغريب والمريض والسجين، لكي تقدّسه في حالته، ولكي تدعونا لنحمل إليه محبّتك بشتّى الوسائل، وفقًا لحاجاته المادّية والروحيّة والمعنويّة والثقافيّة. لقد جعلتَ خدمتنا له الطريق المؤدّي إلى خلاصنا الأبدي. امنحْنا النعمة لنسير على خطى الأبرار والصدّيقين الذين شهدوا لمحبّتك. بارك “سنة الشهادة والشهداء” في كنيستنا، كي تكون سنةَ التزام بالشهادة لإيماننا المسيحي في الأفعال والأقوال والمبادرات. وإنّا مع جميع الأبرار والصدّيقين نرفع نشيد المجد والتسبيح للآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.

*   *   *

شاهد أيضاً

رسالة قداسة البابا فرنسيس

في مناسبة اليوم العالميّ الثّالث والثّلاثين للمريض 11 شباط/فبراير 2025“الرَّجاء لا يُخَيِّبُ” (رومة 5، 5) …

رسالة قداسة البابا فرنسيسفي اليوم العالمي الرّابع للأجداد وكبار السّنّ 28 تمّوز/يوليو 2024”لا تتركني في شَيخوخَتي“ (راجع المزمور 71، 9)

رسالة قداسة البابا فرنسيس في اليوم العالمي الرّابع للأجداد وكبار السّنّ 28 تمّوز/يوليو 2024 ”لا …