التنشئة المسيحية لغبطة أبينا البطريرك مار بشاره بطرس الراعي الأحد الرابع من زمن الصوم 19 أذار 2017 الابن الشاطر وعيد القديس يوسف البتول

التنشئة المسيحية لغبطة أبينا البطريرك مار بشاره بطرس الراعي

الأحد الرابع من زمن الصوم 19 أذار 2017

الابن الشاطر (لوقا 15: 11-32) الخطيئة والتوبة والمصالحة

عيد القديس يوسف البتول (متى1: 18-25)

يتزامن الأحد الرابع من زمن الصوم الكبير، وموضوعه الابن الضّال، مع عيد القدّيس يوسف البتول. إنجيل الابن الضّال ينطبق على كلّ واحد وواحدة منّا، وهو إنجيل الخطيئة والتوبة والمصالحة، فيما إنجيل القدّيس يوسف هو إنجيل الجهوزية والإيمان والطاعة للتصميم الإلهي.

أولاً، شرح نص الانجيل

من إنجيل القديس لوقا 15: 11-32

قَالَ الرَبُّ يَسُوع: «كانَ لِرَجُلٍ ابْنَان. فَقالَ أَصْغَرُهُمَا لأَبِيه: يَا أَبي، أَعْطِنِي حِصَّتِي مِنَ المِيرَاث. فَقَسَمَ لَهُمَا ثَرْوَتَهُ. وَبَعْدَ أَيَّامٍ قَلِيلَة، جَمَعَ الابْنُ الأَصْغَرُ كُلَّ حِصَّتِهِ، وسَافَرَ إِلى بَلَدٍ بَعِيد. وَهُنَاكَ بَدَّدَ مَالَهُ في حَيَاةِ الطَيْش. وَلَمَّا أَنْفَقَ كُلَّ شَيء، حَدَثَتْ في ذلِكَ البَلَدِ مَجَاعَةٌ شَدِيدَة، فَبَدَأَ يُحِسُّ بِالعَوَز. فَذَهَبَ وَلَجَأَ إِلى وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ ذلِكَ البَلَد، فَأَرْسَلَهُ إِلى حُقُولِهِ لِيَرْعَى الخَنَازِير. وَكانَ يَشْتَهي أَنْ يَمْلأَ جَوْفَهُ مِنَ الخَرُّوبِ الَّذي كَانَتِ الخَنَازِيرُ تَأْكُلُهُ، وَلا يُعْطِيهِ مِنْهُ أَحَد. فَرَجَعَ إِلى نَفْسِهِ وَقَال: كَمْ مِنَ الأُجَرَاءِ عِنْدَ أَبي، يَفْضُلُ الخُبْزُ عَنْهُم، وَأَنا ههُنَا أَهْلِكُ جُوعًا! أَقُومُ وَأَمْضي إِلى أَبي وَأَقُولُ لَهُ: يَا أَبِي، خَطِئْتُ إِلى السَمَاءِ وَأَمَامَكَ. وَلا أَسْتَحِقُّ بَعْدُ أَنْ أُدْعَى لَكَ ابْنًا. فَاجْعَلْنِي كَأَحَدِ أُجَرَائِكَ! فَقَامَ وَجَاءَ إِلى أَبِيه. وفِيمَا كَانَ لا يَزَالُ بَعِيدًا، رَآهُ أَبُوه، فَتَحَنَّنَ عَلَيْه، وَأَسْرَعَ فَأَلْقَى بِنَفْسِهِ عَلى عُنُقِهِ وَقَبَّلَهُ طَوِيلاً. فَقالَ لَهُ ابْنُهُ: يَا أَبي، خَطِئْتُ إِلى السَمَاءِ وَأَمَامَكَ. وَلا أَسْتَحِقُّ بَعْدُ أَنْ أُدْعَى لَكَ ابْنًا… فَقالَ الأَبُ لِعَبيدِهِ: أَسْرِعُوا وَأَخْرِجُوا الحُلَّةَ الفَاخِرَةَ وَأَلْبِسُوه، واجْعَلُوا في يَدِهِ خَاتَمًا، وفي رِجْلَيْهِ حِذَاء، وَأْتُوا بِالعِجْلِ المُسَمَّنِ واذْبَحُوه، وَلْنَأْكُلْ وَنَتَنَعَّمْ! لأَنَّ ابْنِيَ  هذَا كَانَ مَيْتًا فَعَاش، وَضَائِعًا فَوُجِد. وَبَدَأُوا يَتَنَعَّمُون. وكانَ ابْنُهُ الأَكْبَرُ في الحَقْل. فَلَمَّا جَاءَ واقْتَرَبَ مِنَ البَيْت، سَمِعَ غِنَاءً وَرَقْصًا. فَدَعا وَاحِدًا مِنَ الغِلْمَانِ وَسَأَلَهُ: مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ  هذَا؟ فَقالَ لَهُ: جَاءَ أَخُوك، فَذَبَحَ أَبُوكَ العِجْلَ المُسَمَّن، لأَنَّهُ لَقِيَهُ سَالِمًا. فَغَضِبَ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَدْخُل. فَخَرَجَ أَبُوهُ يَتَوَسَّلُ إِلَيْه. فَأَجَابَ وقَالَ لأَبِيه: هَا أَنا أَخْدُمُكَ كُلَّ  هذِهِ السِنِين، وَلَمْ أُخَالِفْ لَكَ يَوْمًا أَمْرًا، وَلَمْ تُعْطِنِي مَرَّةً جَدْيًا، لأَتَنَعَّمَ مَعَ أَصْدِقَائِي. ولكِنْ لَمَّا جَاءَ ابْنُكَ  هذَا الَّذي أَكَلَ ثَرْوَتَكَ مَعَ الزَوَانِي، ذَبَحْتَ لَهُ العِجْلَ المُسَمَّن! فَقالَ لَهُ أَبُوه: يَا وَلَدِي، أَنْتَ مَعِي في كُلِّ حِين، وَكُلُّ مَا هُوَ لِي هُوَ لَكَ. ولكِنْ كانَ يَنْبَغِي أَنْ نَتَنَعَّمَ وَنَفْرَح، لأَنَّ أَخَاكَ  هذَا كانَ مَيْتًا فَعَاش، وَضَائِعًا فَوُجِد».

1. الابن الأصغر يمثِّل الشخص الأقلّ خبرة ونضجًا، ولا يعنيه إلا ذاته. يبحث عن مصلحته وحريّته، ويعتقد أن سلطة أبيه تحدّ من حرّيته. غالبًا ما نرى هذه النَّزعة عند شباب اليوم: يريدون التحرّر من سلطة الأهل والتقاليد ويتعلّقون بها أكثر من التعلّق العاطفي مع أهلهم الذين يوفّرونها لهم، وكأنّهم في الواقع يحبّون عطايا الأهل وينسون أو يتجاهلون المعطين وهم أهلهم.

الخطيئة (الآيات 13-16)

2. هكذا تبدأ الخطيئة: يتعلّق الإنسان بذاته، ينسى الله ويتعلّق بعطاياه: المخلوقات والخيرات والمال والذات. يبحث عن حرّيته، يتفلّت من كلّ قيد، من وصايا الله ورسومه وتعليم الكنيسة والمبادئ الروحيّة والأخلاقيّة.

الابن الضّال أخذ حصّته من ميراث أبيه، وسافر إلى مكان بعيد (الآية 13)، ليعيش حرًّا طليقًا محرَّرًا من أيّ رباط. هذه حال الذي يعيش في حالة الخطيئة: يتخلّى عن الإنجيل والكنيسة، يهجر جماعة المؤمنين الملتئمة في “يوم الربّ” حول ذبيحة القداس، ومائدة الكلمة وجسد الربّ ودمه.

3. فكانت النتيجة أنّ “الابن الضّال” بدّد ماله في الطيش، عائشًا في الفوضى، حتى أنفق كلّ ثروته، وفوق ذلك اجتاحت البلاد موجة جوع، فأصبح فقيرًا معوزًا (الآيتان 13 و14). هذه نتائج حالة الخطيئة: يعيش الإنسان في فوضى مع ذاته وعائلته وبيئته؛ وتظهر الفوضى في طريقة عيشه ومعاطاته وعلاقاته وواجباته. يفتقر من القيم الروحيّة والأخلاقيّة والإنسانيّة. يمارس الظلم والكذب والنميمة والافتراء، يسيطر عليه الإهمال وفقدان معنى الحياة وجمالها. يفقد كرامته، كرامة “أبناء الله” ومسحة الميرون والعضوية في جسد المسيح السّرّي الذي هو الكنيسة. كان التعبير عن هذا الانحطاط المعنوي في أنّ “الابن الضال” أصبح راعي خنازير ويسابقها على الأكل من الخرنوب المتساقط من أشجارها، من دون أن يتمكّن (الآيتان 15 و16). الخنزير مُعتبَر في اليهودية كحيوان نجس، وينجّس كلّ مَن يقترب منه.

التوبة (الآيات 17-20)

4. سافر الابن الضّال إلى بلد بعيد، أبعد ما يمكن، لكي يكون حرًّا طليقًا، بعيدًا عن أبيه وسماع صوته وتوصياته وإرشاداته وأوامره ونواهيه. لكنّه لم يكن يعلم أن صوت أبيه يستمرّ معه، يرافقه، عبر صوت ضميره.

ضميره جعله “يرجع إلى نفسه”، ويعود إلى نقطة الانطلاق ويتذكّر ما كان عليه أساسًا ويفكّر في ما أصبح اليوم باتّباع حريته المزعومة: “كم من الأجراء عند أبي، يفضل الخبز عنهم، وأنا ههنا أهلكُ جوعًا!” (الأية 17).

هذه هي بداية طريق التوبة: عودة إلى الذات، بصوت الضمير، ما يعني أيضًا عودة إلى الله، فالضمير هو صوت الله في أعماق الإنسان. بالخطيئة نُسكت صوت الضمير الناهي عنها، وبالتوبة نعود فنصغي إلى صوت الضمير الذي لا يموت، مهما حاولنا قتله أو خنقه أو طمسه.

بالعودة إلى الذات، يعود الخاطي إلى إدراك غلطته الأساسيّة، وترتسم أمامه طريق الإصلاح: “أقومُ وأمضي إلى أبي، واقولُ له: خطئتُ إلى السماء وأمامك. ولا أستحقُّ بعد أن أُدعى لك ابنًا، فاجعلْني كأحدِ أجرائك” (الآيتان 18و19).

5. التوبة قرار. عناصره الأربعة مرسومة في “قرار الابن الضّال” الذي هو قرار كلّ تائب: الخروج من الحالة الراهنة وظروفها ومسبّباتها؛ العودة إلى الله حيث الحياة السعيدة بكلّ أبعادها والكرامة؛ الاعتراف بالخطأ للدّلالة على إدراكنا أنّه بالحقيقة خطأ لا مبرِّر له، وفي هذا الإدراك توجد إرادة ضمنيّة بعدم ارتكابه من جديد بالاتّكال على نعمة الله؛ التكفير والتعويض عن هذا الخطأ، شعورًا بفداحته وبعدم الاستحقاق لمغفرة الله الفائقة من رحمته اللّامتناهية.

6. والتوبة تنفيذ شجاع للقرار، وإلّا ظلّت الأمور على حالها، ويبقى الإنسان رهينة حالة الخطيئة، ضعيفًا أمام مصلحته ورغباته وانحرافاته. هكذا فعل الابن الضّال: “قام وجاء إلى أبيه”. الله الذي تركتُه بخطيئتي لا يتركني بنعمته. ويبقى نظره عليَّ، وينتظر عودتي، لأنّه يدرك مدى ضعفي وحاجتي إليه، إلى كلامه ونعمة أسراره وأنوار الروح القدس. ما يعني أنّه مستعدّ دائمًا للمغفرة، فمحبّته أكبر جدًّا من خطيئة الإنسان.

المصالحة (الآيتان 20-21)

7. هنا يبدأ عمل الله الغفور الدّاعي إلى المصالحة، من أجل بدء حياة جديدة  وسعيدة. “فيما كان الابنُ لا يزال بعيدًا رآه أبوه، فتحنّن عليه، وأسرع فألقى بنفسه على عنقه وقبَّله طويلًا” (الآية 20). مجرّد العودة إلى البيت الوالدي، وقبل الاعتراف بالخطأ، مكّن الآب من مصالحة ابنه إذ غفر كلّ ما صنع بحقّه من إساءات. هكذا يفعل الله مع أيّ خاطي يتوب. مفتاح المغفرة والمصالحة هو العودةُ إلى الله بالفكر والقلب والعمل قبل أن تكون كلمات إقرار واعتذار. هكذا يجب علينا أن نتصرّف مع بعضنا البعض. هذا الإنجيل هو شرعة المصالحة.

وفي كلّ حال، اعتبر الابن الراجع أن من واجبه الاعتذار فقال لأبيه، فيما كان يضمّه إلى صدره الحنون: “يا أبي، خطئتُ إلى السماء وأمامك، ولا أستحقّ بعد أن أُدعى لك ابنًا” (الآية 21). فقاطعه والده، ولم يدعه يكمل اعترافه بفرض القصاص على ذاته، تكفيرًا وتعويضًا. المهمّ في المصالحة أن أقرّ بخطيئتي، فلا مصالحة من دون عدالة. والإقرار إدراك للخطأ ولجسامة مفاعيله السيئة وضرره على الغير.

بالنسبة إلى الله، فإنّه يعرف خطيئتي بكلّ تفاصيلها، ويتركني أقرّ وأعترف بها، لكي أتواضع أمامه، وأشعر بخجلي، وأصمّم على عدم الرجوع إليها بالاتّكال على النعمة الإلهيّة. أمّا التكفير والتعويض فهو إصلاح الذات والقيام بأعمال محبّة ورحمة. لكن المسيح الربّ، بآلامه وموته، وبتقديم ذاته ذبيحة فداء على الصليب، وباستمرايّتها في ذبيحة القداس، قام بعمل التكفير والتعويض الكبير مرّة واحدة وكافية عن كلّ الجنس البشري. لذا، من واجب كلّ مسيحي أن يشارك مع الجماعة في كلّ يوم أحد، بتقديم ذبيحة التعويض والتكفير والشكر.

ثمار المصالحة(الآيات 22-24)

8. وتأتي ثمار المصالحة من قِبل الله (الآيات 22-24) فهو لا يكتفي بمغفرة الخطايا، بل يعيد للتائب كرامة البنوّة لله، ومفاعيل معموديّته محرِّرًا إيّاه بالنعمة، ختم المشاركة في الميراث السماوي بطابع الميرون، تمامًا كما فعل الآب مع ابنه:

أ- ألبسه الحلَّة الفاخرة: أعاد إليه حالة البنوّة المفقودة، وانتسابه إلى تراث العائلة.

ب – جعل في يده خاتمًا: سلّمه ختم الأمانة والصداقة والمساواة، فلا يكون كأجير.

ج- وجعل في رجلَيه حذاء: أعاد إليه حرية الأبناء المسؤولة، مجدِّدًا له الثقة.

د- ذبح له العجل المسمَّن ودعا العائلة إلى وليمة الفرح، لأنّ الابن كان ميتًا فعاش وضالًّا فوُجد. إنّها عظمة نسيان الماضي والبدء بمبادرات جديدة. بالنسبة إلى سرّ المصالحة مع الله، يرمز العجل المسمَّن والوليمة إلى ذبيحة المسيح وليمة جسده ودمه في سرّ القربان، حيث تلتقي الجماعة المصالحة بالمسيح مع الله ومع بعضها البعض، في قداس الأحد، لهذه الغاية. كلّنا كنّا بالخطيئة أمواتًا وضالّين. وحدها التوبة والمصالحة تقيمنا من موتنا الروحي، وتهدينا إلى الطريق المستقيم.

 

موقف الابن الأكبر (الآيات 25-32)

9. الابن الأكبر الرافض مصالحة أخيه التائب والمشاركة في وليمة الفرح، بالرغم من إلحاح أبيه ومحاولة إقناعه، هو موقف مؤلم. ويدلّ على أن المصالحة بين الناس، وحتى بين الإخوة والأقارب، صعبة، وفي بعض الأحيان مستحيلة، بسبب تحجّر القلوب وفقدان مشاعر الحنان والرحمة.

هناك فرق كبير بين عاطفة الوالدين تجاه أولادهم وعاطفة الأبناء فيما بينهم، الأولى أقوى ولا حدّ لها لأنّ الابن يخرج من أحشاء حبّ الوالدين. هكذا نحن فقد خرجنا من أحشاء محبة الله وحنانه ورحمته بخلقنا على صورته، وبإشراكه إيّانا في البنوّة الإلهية بواسطة المعمودية، وبجعلنا ورثة لملكوته بمسحة الميرون وقربان جسده ودمه.

هذه الصفحة من المثل الإنجيلي دعوة للتشبّه بمحبة الله وحنانه ورحمته. وفي كلّ حال، مَن يختبر الغفران والمصالحة وثمارها بممارسته سرّ التوبة باستمرار، يتعلّم كيف يغفر ويصالح، ويتحيّن الفرص ليصالح مَن أساء إليه حبًّا بثمار المصالحة التي اختبرها هو.

ثانيًا، عيد القديس يوسف

من إنجيل القديس متى 1: 18-25

قالَ متَّى الرَسُول: أَمَّا مِيلادُ يَسُوعَ المَسيحِ فَكانَ  هكَذَا: لَمَّا كانَتْ أمُّهُ مَرْيَمُ مَخْطُوبَةً لِيُوسُف، وقَبْلَ أَنْ يَسْكُنَا مَعًا، وُجِدَتْ حَامِلاً مِنَ الرُوحِ القُدُس. ولَمَّا كَانَ يُوسُفُ رَجُلُها بَارًّا، ولا يُرِيدُ أَنْ يُشَهِّرَ بِهَا، قَرَّرَ أَنْ يُطَلِّقَهَا سِرًّا. ومَا إِنْ فَكَّرَ في  هذَا حتَّى تَرَاءَى لَهُ مَلاكُ الرَبِّ في الحُلْمِ قَائِلاً: «يَا يُوسُفُ بنَ دَاوُد، لا تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ، فَالمَوْلُودُ فِيهَا إِنَّمَا هُوَ مِنَ الرُوحِ القُدُس. وسَوْفَ تَلِدُ ابْنًا، فَسَمِّهِ يَسُوع، لأَنَّهُ هُوَ الَّذي يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُم». وحَدَثَ  هذَا كُلُّهُ لِيَتِمَّ مَا قَالَهُ الرَبُّ بِالنَبِيّ: «هَا إِنَّ العَذْرَاءَ تَحْمِلُ وتَلِدُ ابْنًا، ويُدْعَى اسْمُهُ عِمَّانُوئِيل، أَي الله مَعَنَا». ولَمَّا قَامَ يُوسُفُ مِنَ النَّوْم، فَعَلَ كَمَا أَمَرَهُ مَلاكُ الرَبِّ وأَخَذَ امْرَأَتَهُ. ولَمْ يَعْرِفْهَا، فَوَلَدَتِ ابْنًا، وسَمَّاهُ يَسُوع.

عيد القديس يوسف، كما يظهر من بيان الملاك له في الحلم، يذكّرنا بأنّ الله يتمّم تصميمه الخلاصي بالتعاون مع الإنسان، كلّ إنسان، في مكانه وزمانه وحالته. القديس يوسف مثال لنا بامتياز، مع مريم إبنة النّاصرة. كان مخطوبًا للعذراء مريم، وقبل أن يتساكنا، دعاه الله في تصميمه أن يكون أبًا بتولًا ومربّيًا للمولود من خطيبته، وهي عذراء، بقوّة الرّوح القدس.

تنكشف هنا الحقائق التّالية:

أ- يوسف مؤتمن مع مريم على السرّ الإلهي المكتوم منذ الدّهور (أفسس 3: 9). بهذا السّرّ انفتح للناس مدخل إلى الله في الرّوح القدس، بالمسيح الكلمة المتجسّد، ويُصبحون شركاء في الطبيعة الإلهيّة (أفسس 2: 18؛ 2 بطرس1: 4) (البابا يوحنا بولس الثاني: حارس الفادي، الفقرة 5).

ب- يوسف أوّل من شارك أمّ الله إيمانها. فغدا بذلك مسانِدًا لزوجته في الإيمان بالبشرى الإلهيّة، وقد وضعه الله الأوّل على طريق “مسيرة الإيمان” الذي احتلّت فيه مريم الطّليعة البالغة ملْأها في الجلجلة والعنصرة (المرجع نفسه، الفقرة 6).

ج- يوسف يمتاز، مثل مريم، “بطاعة الإيمان” (روم1: 5؛ 2 كور10: 5-6). مريم أجابت “نعم” فتمّ الحبل الإلهي. ويوسف أجاب بصنع ما كشف له الملاك في الحلم “فأخذ مريم امرأته، ولم يعرفها، فولدت إبنها البكر وسمّاه يسوع”. بطاعة الإيمان، سلّمَ يوسف أمره كلّه لله حرًّا في كمال طاعة العقل والإرادة لله الموحي، وفي اعتناق إرادي للوحي الإلهي. هذا ما نحن مدعوّون إليه (الفقرة 4).

د- يوسف هو زوج مريم بحسب الشّريعة وأبو يسوع المسيح بالتبنّي بحسب التّدبير الإلهي. له تجاه مريم ويسوع واجبات الزّوج والأب الأرضي. فإليه أوكلَ الله حماية الكنزَين. وبكونه حارسًا وحاميًا ليسوع، فهو أيضًا كذلك بالنسبة إلى جسده السرّي أي الكنيسة التي تجد صورتها ومثالها في العذراء مريم (الفقرتان 1 و3).

لكلّ هذه الأسباب، رسمَ القديس البابا يوحنا الثالث والعشرون أن يُضاف إسم القديس يوسف، في الصلوات الليتورجية، بعد إسم العذراء مريم، وقبل الرّسل والأحبار العظام والشّهداء (الفقرة 6).

*   *   *

صلاة

أيّها الربّ يسوع، في مَثَل الابن الضال، كشفتَ لنا معنى الخطيئة ونتائجها الوخيمة، ومفهوم التوبة وعناصرها، وقيمة المصالحة وثمارها. نسألك، في زمن الصوم الكبير، أن نعي واقع الخطيئة فينا، ونسلك طريق التوبة وإصلاح السيرة، ونتصالح مع الله وذاتنا والآخرين، فنسعد بثمار المصالحة. اجعلْنا نقتدي بمَثَل القديس يوسف البتول في الجهوزية الدائمة لسماع صوت الله والعمل بموجبه، مدركين بذلك أنّنا نؤدّي مساهمتنا في تحقيق تدبير الله الخلاصي، وفق إرادته. فنرفع نشيد المجد والتسبيح للثالوث القدوس، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.

*   *   *

شاهد أيضاً

رسالة قداسة البابا فرنسيس في مناسبة اليوم العالمي الأوّل للأطفال

25-26 أيّار/مايو 2024 رسالة قداسة البابا فرنسيس في مناسبة اليوم العالمي الأوّل للأطفال 25-26 أيّار/مايو …

رسالة قداسة البابا فرنسيس في مناسبة الزّمن الأربعيني 2024 مِن البرِّيَّة يقودنا الله إلى الحرّيّة

رسالة قداسة البابا فرنسيس في مناسبة الزّمن الأربعيني 2024 مِن البرِّيَّة يقودنا الله إلى الحرّيّة …