التنشئة المسيحية لغبطة أبينا البطريرك مار بشاره بطرس الراعي الأحد السادس من زمن القيامة 21 أيار 2017

التنشئة المسيحية لغبطة أبينا البطريرك مار بشاره بطرس الراعي

الأحد السادس من زمن القيامة 21 أيار 2017                                                                      (لوقا 24: 36-48)

  تذكر الكنيسة في هذا الأحد أخر ظهور للربّ يسوع بعد قيامته، وقبل صعوده إلى السماء. في هذا الظهور شدّد إيمان الرسل بقيامته، وفتح أذهانهم ليفهموا الكتب المقدّسة التي كلّها تتكلّم عنه بالرموز والإرشادات والنبوآت، وجعلهم شهودًا لدى جميع الشعوب، ليعلنوا باسمه إنجيل التوبة لمغفرة الخطايا، بقوّة الروح القدس.

   أولاً، شرح نص الإنجيل

  من إنجيل القديس لوقا 24: 36-49 

قالَ لُوقَا البَشِير: وفِيمَا التَلامِيذُ يَتَكَلَّمُونَ بِهذَا، وَقَفَ يَسُوعُ في وَسَطِهِم، وقَالَ لَهُم: «أَلسَلامُ لَكُم!». فارْتَاعُوا، واسْتَوْلى عَلَيْهِمِ الخَوْف، وكَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّهُم يُشَاهِدُونَ رُوحًا. فقَالَ لَهُم يَسُوع: «مَا بَالُكُم مُضْطَرِبِين؟ وَلِمَاذَا تُخَالِجُ هذِهِ الأَفْكَارُ قُلُوبَكُم؟ أُنْظُرُوا إِلى يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ، فَإِنِّي أَنَا هُوَ. جُسُّونِي، وانْظُرُوا، فإِنَّ الرُوحَ لا لَحْمَ لَهُ وَلا عِظَامَ كَمَا تَرَوْنَ لِي!». قالَ  هذَا وَأَرَاهُم يَدَيْهِ وَرِجْلَيْه. وَإِذْ كَانُوا بَعْدُ غَيْرَ مُصَدِّقِينَ مِنَ الفَرَح، وَمُتَعَجِّبِين، قَالَ لَهُم: «هَلْ عِنْدَكُم هُنَا طَعَام؟». فَقَدَّمُوا لَهُ قِطْعَةً مِنْ سَمَكٍ مَشْوِيّ، وَمِنْ شَهْدِ عَسَل. فَأَخَذَهَا وَأَكَلَهَا بِمَرْأًى مِنْهُم، وقَالَ لَهُم: « هذَا هُوَ كَلامِي الَّذي كَلَّمْتُكُم بِهِ، وَأَنا بَعْدُ مَعَكُم. كانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ كُلُّ مَا كُتِبَ عَنِّي في تَوْرَاةِ مُوسَى، وَالأَنْبِيَاءِ وَالمَزَامِير». حِينَئِذٍ فَتَحَ أَذْهَانَهُم لِيَفْهَمُوا الكُتُب. ثُمَّ قالَ لَهُم: «هكذَا مَكْتُوبٌ أَنَّ المَسِيحَ يَتَأَلَّم، وَيَقُومُ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ في اليَوْمِ الثَالِث. وبِاسْمِهِ يُكْرَزُ بِالتَوْبَةِ لِمَغْفِرةِ الخَطَايَا، في جَمِيعِ الأُمَم، إِبْتِدَاءً مِنْ أُورَشَلِيم. وأَنْتُم شُهُودٌ عَلى ذلِكَ».

1. تراءى يسوع لرسله، فيما كانوا يتكلّمون عن مأساة موته وفرح الخبر عن قيامته. ما يعني أنّ في كلّ مرّة تلتقي الجماعة المؤمنة وتصغي لقراءة الإنجيل والكتب المقدّسة، وتتأمّل فيها، وترفع أناشيد المجد والتسبيح، يحضر الله وسط الجماعة: الآب بمحبّته المظلِّلة، والابن بنعمته الخلاصيّة، والروح القدس بحلوله وفعله.

فلا بدّ لكلّ جماعة أن تلتئم باسم المسيح، وتستحضره في الوسط. فهو الذي يجمعها، ويخاطبها، ويتضامن معها، ويوجّهها، ويقوّيها، ويرسلها. ولقد وعد: “إذا اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، أكون فيما بينهم” (متى 18: 12). عندما اختار الطوباوي الأخ اسطفان شعار “الله يراني”، أراد التأكيد أنّ الله معنا في كلّ حين، ولا يتركنا لوحدنا. يرى ضعفنا فيقوّينا، يرى حزننا فيعزّينا، يرى حاجاتنا وحالاتنا ويخاطب قلوبنا ويلهم المخرج منها، إذا عدنا إليه، واستغثنا برحمته وجودته.

2. إذ وقف في الوسط، أعطاهم سلامه: “السلام لكم”. هذا السلام هو المسيح إيّاه القائم من بين الأموات، سلام الانتصار على الخطيئة والموت، على الظلم والحقد والبغض. سيقولها بولس الرسول: “المسيحُ سلامنا” (افسس2: 14). هذا السلام الذي سبق ووعدهم به: “سلامي أعطيكم، لا كما يعطيه العالم أعطيكم أنا” (يو14: 27). واستودعنا سلامه لنكون في العالم صانعي سلام (راجع متى 5: 9).

لقد وضع يسوع السلام في قلوب الرسل، وانتزع منهم الخوف واضطراب الافكار، إذ قال لهم بعد السلام: “ما بالكم مضطربين، ولماذا تخالج الأفكار قلوبكم، فإنّي أنا هو” (الآيتان 38 و39). ما يعني مرّة أخرى انّه هو شخصيًّا سلامهم.

في الواقع، أكّد أنّه هو شخصيًّا وأعطاهم هويّته التي هي مصدر السلام: “أراهم يدَيه ورجلَيه” (الآية 39)، الحاملة آثار الصلب للفداء، وهي ممجَّدة بقيامته لتقديسهم. ذلك أنّهم ارتعبوا وظنّوه شبحًا (الآية 37).

أمام صعوبات الحياة ومحنها والتساؤلات، يدعونا هذا الترائي للنظر إلى صليب المسيح بالصلاة والمناجاة والإصغاء.

3. لفرحهم واندهاشهم لم يصدّقوا أنّه هو (الآية 41). إيمانهم بقيامته أعطى ثماره، قبل أن يصبح إيمانًا في قلوبهم. والثمار هي الفرح والاندهاش. المؤمن الحقيقي يعيش في الفرح الدائم، ويندهش بالمسيح وبأعمال الله. ولهذا السبب يسعى لإشراك غيره في هذا الإيمان، وإسعادهم بثماره.

الإيمان، بكونه عطيّة من الله، يجب قبولها لنيل سعادة الفرح والاندهاش، هو حاجة طبيعية للإنسان الباحث عن السعادة. وهذا ما يدفع الكنيسة، بإكليروسها ومؤمنيها ومؤسساتها، إلى الكرازة بإنجيل يسوع المسيح، وحمل البشارة السّارة لعالم يحتاج إليها.

4. ومن بعد أن طمأن الرسل بدعوتهم لجسّ جسده، ولأكله سمكًا وعسلًا أمامهم، وكأنّه إنسان من أرضنا، فيما هو جسد ممجَّد، عاد فشرح لهم الكتب التي تكلّمت عنه، وعن آلامه وموته، من توراة موسى إلى الأنبياء والمزامير (الآية 44).

لقد بيّن ذلك أنّ السلاح الأمضى ضدّ تجارب الشّك والشيطان هو الكتاب المقدّس، لكونه كتابَ الحياة، وهو صادق يحتوي على الحقيقة التي تنير. وهو الجسر الآمن الذي يصلنا بمشروع الله الخلاصي، ويُدخلنا في منطق الله.

5. عندما جرَّب الشيطان ثلاثًا الربّ يسوع بإغراءاته البشريّة، انتصر عليه بالعودة ثلاثًا إلى كلام الله في الكتاب المقدّس (راجع متى 4: 1-10).

– “ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكلّ كلمة تخرج من فم الله” (تثنية 6: 13)، ضدّ تجربة شهوة الجسد.

– “لا تجرّب الربّ إلهك” (تثنية 6: 16)، ضدّ تجربة كبرياء الحياة.

– “للربّ إلهك تسجد، وإيّاه وحده تعبد” (تثنية 6: 13)، ضدّ شهوة العين.

6. كما شرح الربّ يسوع لرسله الكتب المقدّسة، يجب على الكنيسة المعلّمة، بأساقفتها وكهنتها المكرَّسين والمكرَّسات، أن تشرحها بدوره للمؤمنين ولسائر الناس. فكم من مرّة طلب الرسل من يسوع أن يشرح لهم كلامه وأمثاله. لا يكفي ان يقرأ الناس لوحدهم الإنجيل وسائر الكتب المقدّسة، بل عليهم العودة إلى تعليم الكنيسة وشرحها، وإلى السلطة التعليميّة فيها.

لا تُقرأ الكتب المقدّسة باقتطاع آيات وتوصيلها بشكل يسيء معناها. بل تجب قراءتها كوحدة متكاملة. وهذا ما تفعله السلطة التعليميّة في الكنيسة.

 7. “ثمّ فتح يسوع أذهانهم ليفتحوا الكتب” (الآية 45)

فهمُ الكتب المقدّسة يحتاج إلى أنوار الروح القدس، وهو نعمة من الله. ليس الإيمان مجرّد مجموعة نظريات وأفكار وآيات محفوظة. بل هو دخول عميق في العلاقة مع الله بواسطة الروح القدس، ودخول صامت ومتأمّل ومصلّي. إنّها مسيرة إيمان في الكنيسة ومع الكنيسة، التي يقودها الروح القدس إلى  الحقيقة كلّها. الكتاب المقدّس لا يُفهم إلّا في الكنيسة ومع الكنيسة.

وأعطاهم جوهر ما في الكتب:

1- “إنّ المسيح يتألّم ويقوم من بين الأموات في اليوم الثالث” (الآية 46). هذا هو أساس الإيمان المسيحي: بآلام المسيح وموته تمّ فداء كلّ إنسان من خطاياه، وبقيامته أعطى الحياة الجديدة، بثّ الحياة الإلهيّة في كلّ مؤمن ومؤمنة. ومن سرّ موته وقيامته وُلدت البشريّة الجديدة المتمثِّلة في الكنيسة، جسد المسيح السّرّي.

2 – “وانّ باسمه يُكرز بالتوبة لمغفرة الخطايا في جميع الأمم ابتداء من اورشليم” (الآية 47). التوبة فضيلة ضرورية لنيل مغفرة الخطايا، والمصالحة مع الله والذات والناس. إنها الولادة المتجدّدة، بعد الولادة الثانية من المعمودية بالماء والروح.

عن كلّ هذه الأمور، جعل الربّ يسوع رسله شهودًا (الآية 48) لابالكلام والكرازة وحسب، ولكن بولادتهم الجديدة من سرّ موت المسيح وقيامته، وشهادة حياتهم، وثقافة المحبة التي ينشرونها.

ودعاهم لانتظار حلول الروح القدس عليهم، لكي ينالوا النعمة والقوّة لهاتَين: الولادة الجديدة والشهادة.

*   *   *

شاهد أيضاً

رسالة قداسة البابا فرنسيس في مناسبة اليوم العالمي الأوّل للأطفال

25-26 أيّار/مايو 2024 رسالة قداسة البابا فرنسيس في مناسبة اليوم العالمي الأوّل للأطفال 25-26 أيّار/مايو …

رسالة قداسة البابا فرنسيس في مناسبة الزّمن الأربعيني 2024 مِن البرِّيَّة يقودنا الله إلى الحرّيّة

رسالة قداسة البابا فرنسيس في مناسبة الزّمن الأربعيني 2024 مِن البرِّيَّة يقودنا الله إلى الحرّيّة …